الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وتصح بإيجاب كقوله وهبت ونحلت وأطعمتك هذا الطعام ) لأنها صريحة فيها أطلقها فشمل ما إذا كان على وجه المزاح فإن الهبة صحيحة كذا في الخلاصة وشمل ما إذا أضاف الهبة إلى جزء يعبر به عن الكل كما إذا قال وهبت لك فرجها كان هبة كذا في الخلاصة أيضا وشمل ما لو قال لقوم قد وهبت جاريتي هذه لأحدكم فليأخذها من شاء فأخذها رجل منهم ملكها وكذا بقوله أذنت الناس جميعا في ثمر نخلي من أخذ شيئا فهو له فبلغ الناس من أخذ شيئا يملكه كذا في المنتقى وظاهره أن من أخذه ولم يبلغه مقالة الواهب لا يكون له كما لا يخفى وقيد بالطعام لأنه لو قال أطعمتك أرضى كان عارية لرقبتها وإطعاما لغلتها كذا في المحيط [ ص: 285 ]

                                                                                        ( قوله وجعلته لك ) لأن اللام للتمليك ولهذا لو قال هذه الأمة لك كان هبة ولو قال هي لك حلال لا تكون هبة إلا أن يكون قبله كلام يستدل به على أنه أراد به الهبة كذا في الخلاصة قيد بقوله لك لأنه لو قال جعلته باسمك لا يكون هبة ولهذا قال في الخلاصة لو غرس لابنه كرما إن قال جعلته لابني تكون هبة وإن قال باسم ابني لا تكون هبة ولو قال أغرس باسم ابني فالأمر متردد وهو إلى الصحة أقرب ا هـ .

                                                                                        ( قوله وأعمرتك هذا الشيء ) لأن العمرى تمليك للحال فتثبت الهبة ويبطل ما اقتضاه من شرط الرجوع وكذلك لو شرط الرجوع صريحا يبطل شرطه أيضا لو قال وهبتك هذا العبد حياتك وحياته أو أعمرتك داري هذه حياتك أو أعطيتها حياتك أو وهبت هذا العبد حياتك فإذا مت فهو لي أو إذا مت فهو لورثتيفهذا تمليك صحيح وشرط باطل لما تقدم أنها لا تبطل بالشروط الفاسدة ( قوله وحملتك على هذه الدابة ناويا الهبة ) لأن الحمل على الدابة إركاب وهو تصرف في منافعها لا في عينها فتكون عارية إلا أن يقول صاحبها أردت الهبة لأنه نوى محتمل كلامه وفيه تشديد عليه ومثله أخدمتك هذه الجارية ( قوله وكسوتك هذا الثوب ) لأنه يراد به التمليك قال تعالى { أو كسوتهم } ويقال كسا الأمير فلانا ثوبا إذا ملكه لا إذا أعاره وفي الخلاصة لو دفع إلى رجل ثوبا وقال ألبس نفسك ففعل يكون هبة ولو دفع إليه دراهم وقال أنفقها تكون قرضا . ا هـ .

                                                                                        ولو قال متعتك بهذا الثوب أو بهذه الدراهم فهي هبة كذا في المحيط .

                                                                                        ( قوله وداري لك هبة تسكنها ) لأن قوله تسكنها مشورة بضم الشين وليس بتفسير لأن الفعل لا يصلح تفسيرا للاسم فقد أشار عليه في ملكه بأن يسكنه فإن شاء قبل مشورته وإن شاء لم يقبل كقوله هذا الطعام لك تأكله أو هذا الثوب لك تلبسه وقد تقدم أن العمرى كالهبة فقوله هنا هبة ليس بقيد بل لو قال داري لك عمرى تسكنها كان كذلك نص عليه في النهاية ( قوله لا هبة سكنى أو سكنى هبة ) بنصب هبة فيهما على الحال ويحتمل انتصابهما على التمييز لما في قوله داري لك من الإبهام يعني أنها عارية فيهما لأن السكنى محكم في تمليك المنفعة فكان عارية قدم لفظ الهبة أو أخره ولو ذكر بدل سكنى عارية كان عارية بالأولى ولو قال هي لك هبة إجارة كل شهر بدرهم أو إجارة هبة فهي إجارة غير لازمة فيملك كل فسخها بعد القبض ولو سكن وجب الأجر كذا في المحيط

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فشمل ما ذا كان على وجه المزاح إلخ ) رده المقدسي بأنه ليس في الخلاصة ما يفيد دعواه والذي فيها أنه طلب الهبة مزاحا لا جدا فوهبه جدا وسلم صحت الهبة لأن الواهب غير مازح وقد قبل الموهوب له قبولا صحيحا كذا في حاشية أبي السعود عن الحموي قلت وليس في كلام المؤلف ما يقتضي أن المزاح وقع في الإيجاب لأن قوله أطلقها أي أطلق الهبة وقوله فشمل ما إذا كان أي طلبه لها تأمل وعن عبد الله بن المبارك أنه مر بقوم يضربون الطنبور فوقف عليهم وقال هبوه مني حتى تروا كيف أضرب فدفعوا إليه فضربه على الأرض وكسره فقال رأيتم كيف أضرب قالوا أيها الشيخ خدعتنا وإنما قال لهم ذلك احترازا عن قول أبي حنيفة فإن عنده كسر الملاهي يوجب الضمان وهذا دليل على ما مر من أن هبة المازح جائزة كذا في فتاوى قاضي خان والذي مر هو قوله رجل قال لآخر هب لي هذا الشيء مزاحا فقال وهبت وسلم قال [ ص: 285 ] أبو نصر أنه يجوز ذلك ا هـ .

                                                                                        ( قوله ولهذا قال في الخلاصة لا غرس إلخ ) قال في المنح وفي الخانية قال جعلته لابني فلان يكون هبة لأن الجعل عبارة عن التمليك وإن قال اغرسه باسم ابني لا يكون هبة وإن قال جعلته باسم ابني يكون هبة لأن الناس يريدون به التمليك والهبة . ا هـ .

                                                                                        وفيه مخالفة لما في الخلاصة كما لا يخفى ا هـ .

                                                                                        قال الرملي في حاشية المنح ما في الخانية أقرب لعرف الناس . ا هـ .

                                                                                        ورأيت في الولوالجية ما نصه رجل له ابن صغير فغرس كرما له فهذا على ثلاثة أوجه إن قال اغرس هذا الكرم باسم ابني فلان أو قال جعلته لابني فلان هبة لأن الجعل إثبات فيكون تمليكا وإن قال جعلته باسم ابني فالأمر متردد وهو أقرب إلى الوجه الأول . ا هـ . ولتراجع نسخة أخرى




                                                                                        الخدمات العلمية