الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وقيام الإمام لا سجوده في الطاق ) أي المحراب لأن قيامه فيه يشبه صنيع أهل الكتاب بخلاف سجوده فيه وقيامه خارجه هكذا علل به في الهداية وهو أحد الطريقين للمشايخ وأصله أن محمدا [ ص: 28 ] صرح بالكراهة في الجامع الصغير ولم يفصل فاختلف المشايخ في سببها فقيل كونه يصير ممتازا عنهم في المكان لأنه في معنى بيت آخر وذلك صنيع أهل الكتاب واقتصر عليه في الهداية واختاره الإمام السرخسي وقال إنه الأوجه وقيل اشتباه حاله على من على يمينه ويساره فعلى الطريقة الأولى يكره مطلقا وعلى الثانية لا يكره عند عدم الاشتباه وفي فتح القدير ولا يخفى أن امتياز الإمام مقرر مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع على ما قيل فلا تشبه ا هـ .

                                                                                        وقد يقال إن امتياز الإمام المطلوب في الشرع حاصل بتقدمه من غير أن يقف في مكان آخر فمتى أمكن تمييزه من غير تشبه بأهل الكتاب تعين فحينئذ وقوفه في المحراب تشبه بأهل الكتاب لغير حاجة فكره مطلقا ولهذا قال الولوالجي في فتاويه وصاحب التجنيس إذا ضاق المسجد بمن خلف الإمام على القوم لا بأس بأن يقوم الإمام في الطاق لأنه تعذر الأمر عليه وإن لم يضق المسجد بمن خلف الإمام لا ينبغي للإمام أن يقوم في الطاق لأنه يشبه تباين المكانين ا هـ .

                                                                                        يعني : وحقيقة اختلاف المكان تمنع الجواز فشبهة الاختلاف توجب الكراهة وهو وإن كان المحراب من المسجد كما هي العادة المستمرة فصورته وهيئته اقتضت شبهة الاختلاف فالحاصل أن مقتضى ظاهر الرواية كراهة قيامه في المحراب مطلقا سواء اشتبه حال الإمام أو لا وسواء كان المحراب من المسجد أم لا وإنما لم يكره سجوده في المحراب إذا كان قدماه خارجه لأن العبرة للقدم في مكان الصلاة حتى تشترط طهارته رواية واحدة بخلاف مكان السجود إذ فيه روايتان وكذا لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بوضع القدمين وإن كان باقي بدنه خارجها والصيد إذا كان رجلاه في الحرم ورأسه خارج منه فهو صيد الحرم ففيه الجزاء

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف وقيام الإمام إلخ ) قال الرملي الذي يظهر من كلامهم أنها كراهة تنزيه تأمل [ ص: 28 ] ( قوله وقد يقال إلخ ) ذكر نحوه الشيخ إبراهيم الحلبي في شرح المنية لكن جنح ابن أمير حاج الحلبي في شرحه على المنية إلى تأييد ما في فتح القدير حيث قال قلت ويؤيده ما قدمناه عن قاضي خان أن التشبه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء إلخ وليس هذا من المذموم في شيء وكونه يشبه اختلاف المكانين وحقيقة الاختلاف تمنع الجواز فشبهة الاختلاف توجب الكراهة يعارض بما لو تقدم في بعض بقاع المسجد على القوم من غير أن يدخل المحراب ولا قائل بالكراهية فيه فكذا هنا ا هـ .

                                                                                        قلت : يجاب عن المعارضة المذكورة بما أشار إليه المؤلف من أن المحراب وإن كان من المسجد لكن صورته وهيئته تقتضي شبهة اختلاف المكان لأنه ليس كبقية بقاع المسجد من حيث إنه يصلي فيه بخصوصه كل أحد وإنما جعل علامة لمكان وقوف الإمام وأن يكون سجوده فيه لا قيامه لأنه لم يبن لأن يقوم الإمام في داخله ولا لأن يصلي فيه الناس وإنما هو علامة كما قلنا فأشبه خارج المسجد فصار بمنزلة مكان آخر بخلاف بقية بقاع المسجد تأمل




                                                                                        الخدمات العلمية