الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإلا أخرت ) أي وإن لم يقدر على الإيماء برأسه أخرت الصلاة إلى القدرة وفي الهداية وقوله أخرت عنه إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة عنه وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقا هو الصحيح لأنه يفهم مضمون الخطاب بخلاف المغمى عليه ا هـ .

                                                                                        [ ص: 125 ] وذهب شيخ الإسلام وقاضي خان وقاضي غني إلى أن الصحيح هو السقوط عن الكثرة لا القلة وفي الظهيرية وهو ظاهر الرواية وعليه الفتوى وفي الخلاصة وهو المختار لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب وصحح في البدائع وجزم به الولوالجي وصاحب التجنيس مخالفا لما في الهداية واختاره المصنف في الكافي وصححه في الينابيع ورجحه في فتح القدير بالقياس على المغمى عليه ا هـ .

                                                                                        وعلى هذا فمعنى قوله عليه السلام فالله أحق بقبول العذر أي عذر السقوط وعلى ما اختاره صاحب الهداية معناه بقبول عذر التأخير كذا في معراج الدراية واستشهد قاضي خان بما ذكره محمد فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين لا صلاة عليه فثبت أن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب ورده في التبيين بأنه لا دليل فيه على السقوط لأن هناك العجز متصل بالموت وكلامنا فيما إذا صح المريض حتى لو مات المريض أيضا من ذلك الوجه ولم يقدر على الصلاة لا يجب عليه القضاء حتى لا يلزمه الإيصاء به فصار كالمسافر والمريض إذا أفطرا في رمضان وماتا قبل الإقامة والصحة ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن ظاهر ما في بعض الكتب يوهم أن في المسألة ثلاثة أقوال عدم السقوط مطلقا والسقوط مطلقا والتفصيل وليس كذلك فإن الفوائت إذا كانت صلاة يوم وليلة أو أقل فعليه القضاء بالإجماع كما في البدائع وغاية البيان إنما محل الاختلاف فيما إذا كثرت وزادت على يوم وليلة فليس فيها إلا قولان ولأن قاضي خان صحح التفصيل في الفتاوى وصاحب الهداية صحح عدم السقوط مطلقا فيما إذا برأ من مرضه أما إذا مات منه فإنه يلقى الله ولا شيء عليه اتفاقا ينبغي أن يقال إن محله إذا لم يقدر في مرضه على الإيماء بالرأس أما إن قدر عليه بعد عجزه فإنه يلزمه القضاء وإن كان القضاء يجب موسعا لتظهر فائدته في الإيصاء بالإطعام عنه وفي السراج الوهاج أن هذا المسألة على أربعة أوجه إن دام به المرض أكثر من يوم وليلة وهو لا يعقل لا يقضي إجماعا وإن كان أقل من يوم وليلة أو يوما وليلة وهو يعقل قضى إجماعا وإن كان أكثر وهو يعقل أو أقل وهو لا يعقل فهو محل الاختلاف وفي القنية ولا فدية في الصلاة حالة الحياة بخلاف الصوم ولو كانيشتبه على المريض أعداد الركعات أو السجدات لنعاس يلحقه لا يلزمه الأداء ولو أداها بتلقين غيره ينبغي أن يجزئه ا هـ .

                                                                                        ( قوله ولم يوم بعينه وقلبه وحاجبه ) وقال زفر يومئ بحاجبه فإن عجز فبعينيه فإن عجز فبقلبه وقال الشافعي بعينيه وقلبه وقال الحسن بحاجبيه وقلبه ويعيد إذا صح والصحيح مذهبنا لحديث عمران وابن عمر فإن لم يستطع الإيماء برأسه فالله أحق بقبول العذر منه ولأن فرض السجود تعلق بالرأس دون العين والقلب والحاجب فلا ينقل إليها كاليد واعتبارا بالصوم والحج حيث لا ينتقلان إلى القلب بالعجز وفي فتاوى قاضي خان المريض إذا عجز عن الإيماء فحرك رأسه عن أبي حنيفة أنه قال تجوز صلاته وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل [ ص: 126 ] لا يجوز لأنه لم يوجد منه الفعل ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا حقيقة الإيماء إنما هي طأطأة الرأس .

                                                                                        [ ص: 125 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 125 ] ( قوله ورده في التبيين إلخ ) قال في النهر هذا الفرق إنما يحتاج إليه على تسليم أنه لا صلاة عليه لكن قدمنا في الطهارة ترجيح الوجوب بلا طهارة ( قوله ثم اعلم إلخ ) أقول : قد ذكر في التتارخانية بعد القولين السابقين وقال بعضهم يسقط مطلقا من غير فصل وإليه مال شمس الأئمة السرخسي . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وينبغي أن يقال إن محله إلخ ) هكذا في بعض النسخ ولا إشكال فيه ويوجد زيادة في بعضها ونصها وقد بحث فيه في فتح القدير بأن كلامهم يدل على وجوب القضاء عليه إذا لم يزد على يوم وليلة حتى يجب الإيصاء عليه إذا قدر وإن لم يصح منه ويرد عليه ما في البدائع من أنه ينبغي أن يقال إلخ قال الرملي قوله ويرد عليه إلخ في هذا المحل غلط والذي في البدائع ثم إذا سقطت عنه الصلاة بحكم العجز فإن مات من ذلك المرض لقي الله تعالى ولا شيء عليه لأنه لم يدرك وقت القضاء وأما إذا برئ وصح فإن كان المتروك صلاة يوم وليلة أو أقل فعليه القضاء بالإجماع إلى آخر ما فيها فهذا وارد على بحث الكمال في فتح القدير ا هـ .

                                                                                        قلت لم يظهر لي المخالفة في كلام الفتح لما في البدائع فإن نص كلامه بعد نقله عبارة التبيين السابقة هكذا ومن تأمل تعليل الأصحاب في الأصول وسيأتي أن المجنون يفيق في أثناء الشهر ولو ساعة يلزمه قضاء كل الشهر وكذا الذي جن أو أغمي عليه أكثر من صلاة يوم وليلة لا يقضي وفيما دونها يقضي انقدح في ذهنه إيجاب القضاء على هذا المريض إلى يوم وليلة حتى يلزم الإيصاء به إن قدر عليه بطريق وسقوطه إن زاد ثم رأيت عن بعض المشايخ إن كانت الفوائت أكثر من يوم وليلة لا يجب عليه القضاء وإن كانت أقل وجب قال في الينابيع وهو الصحيح ا هـ .

                                                                                        كلام الفتح فأنت تراه ماش على ما صححه قاضي خان غير أنه يفيد أن ما دون الأكثر يلزمه قضاؤه إذا قدر عليه ولو بالإيماء وإن لم يقضه يلزمه الإيصاء به وهو ما بحثه المؤلف وليس في كلامهم ما ينافي ذلك قوله في الصحيفة التي بعد هذه وعدم كراهة القعود من غير عذر هكذا هو في نسخة المحشي وأثبتناه تبعا لها وفي بعض النسخ ساقط وعليه ظهور المعنى تأمل ا هـ . مصححه .

                                                                                        [ ص: 126 ] ( قوله فعلى هذا إلخ ) أقول : هذا مما يدل على أن مجرد طأطأة الرأس لا تكون ركوعا وإلا لسموه ركوعا واقتصروا على ذكر الإيماء للسجود فلا بد في الركوع من انحناء كما مر وإلا فهو إيماء .




                                                                                        الخدمات العلمية