الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله على من تلا ، ولو إماما أو سمع ، ولو غير قاصد أو مؤتما لا بتلاوته ) بيان لسببها ، وهو أحد ثلاثة : التلاوة ، ولو لم يوجد السماع كتلاوة الأصم والسماع بتلاوة غيره والاقتداء بإمام تلاها ، وإن لم يسمع المأموم تبعا لإمامه بأن قرأ الإمام سرا أو لم يكن حاضرا عند القراءة واقتدى به قبل أن يسجد لها ; ولذا قالوا إن الأبكم إذا رأى قوما يسجدون لا يجب عليه السجود ; لأنه لم يقرأ ، ولم يسمع والمصنف جعل المؤتم معطوفا على غير قاصد فأفاد أن المؤتم يلزمه بسماعه ، وليس كذلك ، وإنما يلزمه باقتدائه ، وإن لم يسمع فلو قال المصنف أو اقتدى معطوفا على تلا لكان أولى كما لا يخفى فقد قال في المجتبى الموجب لها أحد ثلاثة : التلاوة والسماع والائتمام ، وإنما قال : ولو إماما لما أن المنقول في البدائع : أنه يكره للإمام أن يتلو آية السجدة في صلاة يخافت فيها بالقراءة فإنه لا ينفك عن مكروه من ترك السجدة إن لم يسجد أو التلبيس على القوم إن سجد ا هـ .

                                                                                        وكذا لا ينبغي أن لا يقرأها في الجمعة والعيدين لما ذكرنا كما في السراج الوهاج فربما يتوهم من ذلك عدم وجوبها على الإمام فصرح به نفيا له ، وقد قدمنا شرائط الوجوب على التالي والسامع ، وصحح المصنف في الكافي أن السبب في حق السامع التلاوة ، والسماع شرط وسنحققه من بعد - إن شاء الله تعالى - وأطلق في التلاوة والسماع فشمل ما إذا كانت التلاوة بالعربية أو الفارسية ، وهو في التالي بالاتفاق فهم أو لم يفهم وفي السامع عند أبي حنيفة بعد أن أخبر أنها آية السجدة وعندهما إن كان السامع يعلم أنه يقرأ القرآن فعليه السجدة وإلا فلا

                                                                                        وفي البدائع وهذا غير سديد ; لأنهما إن جعلا الفارسية قرآنا لزم الوجوب مطلقا كالعربية ، وإن لم يجعلاها قرآنا لم يجب ، وإن فهم وأطلق في السماع فشمل السامع ممن تجب عليه الصلاة أولا إلا المجنون كما قدمناه ، وكذا الطير على المختار ، وإن سمعها من نائم اختلفوا فيه والصحيح هو الوجوب كذا في الخانية وفي شرح المجمع لو قرأها السكران تجب عليه ، وعلى من سمعها منه ; لأن عقله اعتبر ثابتا زجرا له وأفاد بقوله لا بتلاوته أنه لا يجب على المأموم بتلاوته ، ولا على السامع منه وأطلقه فشمل عدم السجود في الصلاة [ ص: 131 ] وبعد الفراغ عندهما وقال محمد يسجدونها إذا فرغوا ; لأن السبب قد تقرر ولا مانع بخلاف حالة الصلاة ; لأنه يؤدي إلى خلاف موضوع الإمامة لو تابعه الإمام أو التلاوة لو تابعه المؤتم ، ولهما أن المقتدي محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه وتصرف المحجور لا حكم له بخلاف الجنب والحائض ; لأنهما منهيان عن القراءة إلا أنه لا يجب على الحائض بتلاوتها كما لا يجب بسماعها لانعدام أهلية الصلاة بخلاف الجنب وشمل أيضا من سمعها من المؤتم ، وليس في الصلاة ، وهو قول البعض وصحح في الهداية الوجوب ; لأن الحجر ثبت في حقهم فلا يعدوهم ، وتعقبه في غاية البيان بأنه لما علم أن هذا الشخص محجور عليه وجب عليه أن يقول بعدم وجوب السجود على السامع خارج الصلاة ; لأنه قد ثبت من أصولنا أن تصرف المحجور ، ولا حكم له ا هـ . وهو مردود ; لأن تصرف المحجور لغيره صحيح كالصبي إذا حجر عليه يظهر في حقه لا في حق غيره حتى يصح تصرفه لغيره وذكر الشارح ، ولو تلا آية السجدة في الركوع أو السجود أو التشهد لا يلزم السجود للحجر عن القراءة فيه قال المرغيناني وعندي أنها تجب وتتأدى فيه ا هـ .

                                                                                        وذكر في المجتبى في الفرق بين الجنب والحائض وبين المقتدي أن القدر الذي يجب به السجدة مباح لهما على الأصح دون المقتدي .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فأفاد أن المؤتم إلخ ) قد يقال قصد المصنف الإشارة إلى أن الإمام لا يقرؤها في السرية بل في الجهرية فجعل المؤتم سامعا ; لأن الغالب سماع الجهر ، وإن لم يكن سماعه لها شرطا ( قوله لما أن المنقول في البدائع إلخ ) قال في النهر إطلاق الكراهة في السرية مقيد بما إذا لم تكن السجدة آخر السورة كما في الخانية ( قوله وسنحققه ) قال الرملي لم يذكر فيما يأتي شيئا من التحقيق في هذه المسألة سوى قوله في شرح قوله كمن كررها في صورة ما إذا اختلف مجلس التالي دون السامع الأصح أنه لا يتكرر على السامع ; لأن السبب في حقه السماع ، ولم يتبدل مجلسه فيه ( قوله : وفي السامع عند أبي حنيفة إلخ ) هذا الخلاف في سماع التلاوة بالفارسية وأما بالعربية فذكر في النهر أنه لا يشترط الفهم بالإجماع لكن لا يجب على الأعجمي ما لم يعلم كذا في الفتح وعبارته في الخلاصة لكن يعذر في التأخير ما لم يعلم بها

                                                                                        ( قوله وعندهما إن كان السامع يعلم ) قال في النهر والأصح عدمه احتياطا كذا في المحيط إلا أنه في السراج حكى رجوع الإمام إلى قولهما قال : وعليه الاعتماد ( قوله ولا على السامع منه ) في إطلاقه السامع إيهام والأحسن عبارة الزيلعي حيث قال أي لا يجب بتلاوة المقتدي عليه ، ولا على من سمعه من المصلين بصلاة إمامه ا هـ .

                                                                                        فإنها تفيد الوجوب على غير المصلي أصلا كما سيصرح به ، وعلى المصلي من إمام غير إمامه ومقتد به ومنفرد كما يفيده قول المتن الآتي ، ولو سمعها المصلي من غيره سجد بعد الصلاة فقوله المصلي يشمل ما إذا كان إماما أو لا ، وقوله من غيره يشمل ما إذا كان مصليا أو لا كما صرح به الشيخ إسماعيل عن البرجندي وقيد قوله مصليا بقوله يعني وليس إمامه وصرح به أيضا القهستاني والباقاني وعبارة شرح المنية ، ولو تلاها المؤتم لا تجب عليه ، ولا على من سمعه ممن هو معه في تلك الصلاة خلافا لمحمد وتجب على من سمعها منه ممن ليس في صلاته إجماعا لعدم الحجر بالنظر إليهم ا هـ .

                                                                                        ومثله في النهاية وحينئذ فما في النهر من قوله أراد بقوله من غيره من لم يكن محجورا عليه مخالف لهذه العبارات [ ص: 131 ] إلا أن يريد بالمحجور من كان في صلاة السامع لكن يعكر عليه تصريح الشرنبلالي في الإمداد بأنها لا تجب على الإمام والمقتدي بالسماع من مقتد بالإمام السامع أو بإمام آخر فليتأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية