الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        . ( قوله وتؤدى في مصر في مواضع ) أي [ ص: 154 ] يصح أداء الجمعة في مصر واحد بمواضع كثيرة ، وهو قول أبي حنيفة ومحمد ، وهو الأصح ; لأن في الاجتماع في موضع واحد في مدينة كبيرة حرجا بينا ، وهو مدفوع كذا ذكر الشارح وذكرالإمام السرخسي أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين وأكثر وبه نأخذ لإطلاق : لا جمعة إلا في مصر شرط المصر فقط ، وفي فتح القدير الأصح الجواز مطلقا خصوصا إذا كان مصرا كبيرا كمصر فإن في إلزام اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على الأكثر وذكر في باب الإمامة أن الفتوى على جواز التعدد مطلقا وبما ذكرناه اندفع ما في البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها في موضعين ، ولا يجوز في أكثر من ذلك ، وعليه الاعتماد ا هـ فإن المذهب الجواز مطلقا وإذا علمت ذلك فما في القنية ولما ابتلي أهل مرو بإقامة الجمعتين بها مع اختلاف العلماء في جوازهما ففي قول أبي يوسف والشافعي ، ومن تابعهما باطلتان إن وقعتا معا وإلا فجمعة المسبوقين باطلة أمر أئمتهم بأداء الأربع بعد الجمعة حتما احتياطا ثم اختلفوا في نيتها والأحسن أن ينوي آخر ظهر عليه والأحوط أن يقول نويت آخر ظهر أدركت وقته ، ولم أصله بعد ; لأن ظهر يومه إنما يجب عليه بآخر الوقت في ظاهر المذهب ، ثم اختلفوا في القراءة فقيل يقرأ الفاتحة والسورة في الأربع وقيل في الأوليين كالظهر ، وهو اختياري ، والمختار عندي أن يحكم فيها رأيه واختلفوا أنه هل يجب مراعاة الترتيب في الأربع بعد الجمعة بمرور العصر حسب اختلافهم في نيته ، واختلفوا في سبق الجمعة بماذا يعتبر إذا اجتمعا في مصر واحد فقيل : بالشروع وقيل : بالفراغ وقيل بهما والأول أصح ا هـ .

                                                                                        مبني كله على القول الضعيف المخالف للمذهب فليس الاحتياط في فعلها ; لأنه العمل بأقوى الدليلين ، وقد علمت أن مقتضى الدليل هو الإطلاق وأما ما استدل به من يمنع التعدد من أنها سميت جمعة [ ص: 155 ] لاستدعائها الجماعات فهي جامعة لها فلا يفيده ; لأنه حاصل مع التعدد ; ولهذا قال العلامة ابن جرباش في النجعة في تعداد الجمعة لا يقال : إن القول بالاجتماع المطلق قول بالاحتياط ، وهو متعين في مثله ليخرج به المكلف عن عهدة ما كلف به بيقين ; لأن الاجتماع أخص من مطلق الاجتماع ،

                                                                                        ووجود الأخص يستلزم وجود الأعم من غير عكس ولأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين ، ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد بل قضية الضرورة عدم اشتراطه ، وقد قال الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال تعالى { ، وما جعل عليكم في الدين من حرج } ا هـ بلفظه مع ما لزم من فعلها في زماننا من المفسدة العظيمة ، وهو اعتقاد الجهلة أن الجمعة ليست بفرض لما يشاهدون من صلاة الظهر فيظنون أنها الفرض ، وأن الجمعة ليست بفرض فيتكاسلون عن أداء الجمعة فكان الاحتياط في تركها وعلى تقدير فعلها ممن لا يخاف عليه مفسدة منها فالأولى أن تكون في بيته خفية خوفا من مفسدة فعلها والله سبحانه الموفق للصواب .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله مبني كله على القول الضعيف إلخ ) فيه نظر بل هو مبني على أن ذلك الاحتياط أي الخروج عن العهدة بيقين لتصريحه بأن العلة اختلاف العلماء في جوازها إذا تعددت وفيه شبهة قوية ; لأن عدم الجواز حينئذ مروي عن أبي حنيفة واختاره الطحاوي والتمرتاشي وصاحب المختار وجعله العتابي الأظهر ، وهو مذهب الشافعي والمشهور عن مالك وإحدى الروايتين عن أحمد كما ذكره المقدسي في نور الشمعة ، وقد علمت أن قول البدائع أن ظاهر الرواية عدم الجواز في أكثر موضعين قال في النهر ، وفي الحاوي القدسي ، وعليه الفتوى وفي التكملة للرازي وبه نأخذ انتهى فقد حصل الشك إذا كثر التعدد مع خلاف هؤلاء الأئمة

                                                                                        وفي الحديث المتفق عليه { فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه } ; ولذا قال بعضهم فيمن يقضي صلاة عمره مع أنه لم يفته شيء منها : لا يكره ; لأنه أخذ بالاحتياط وذكر في القنية أنه أحسن إذا كان فيه اختلاف المجتهدين ويكفينا خلاف من مر ونقل العلامة المقدسي عن المحيط كل موضع وقع الشك في كونه مصرا ينبغي لهم أن يصلوا بعد الجمعة أربعا بنية الظهر احتياطا حتى أنه لو لم تقع الجمعة موقعها يخرجون عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر ومثله في الكافي ، ثم ذكر كلام القنية وذكر أن كثيرا من شراح الهداية وغيرها نقلوه وتداولوه قال : وفي الظهيرية وأكثر مشايخ بخارى على أنه يصلي الظهر بعدما صلى أربعا بعد الجمعة لاحتمال أنه نقل ليخرج عن العهدة بيقين واستحسنوا ذلك ويقرءون في جميع ركعاتها وذكر عن الفتح ينبغي أن يصلي أربعا ينوي بها آخر فرض أدركت وقته ، ولم أؤده إن تردد في كونه مصرا أو تعددت الجمعة وذكر مثله عن المحقق ابن جرباش قال : ثم قال وفائدته الخروج عن الخلاف المتوهم أو المحقق ، وإن كان الصحيح التعداد فهي نفع بلا ضرر ، ثم ذكر ما يوهم الدلالة على عدم فعلها ودفعه بأحسن وجه وذكر في النهر أنه لا ينبغي التردد في ندبها على القول بجواز التعدد خروجا عن الخلاف ا هـ .

                                                                                        وفي شرح الباقاني هو الصحيح ونحوه في شرح المنية وبالجملة فقد ثبت أنه ينبغي الإتيان بهذه الأربع بعد الجمعة لكن بقي الكلام في تحقيق أنه هل هو واجب أو مندوب قال المقدسي ذكر ابن الشحنة عن جده التصريح بالندب وبحث فيه بأنه ينبغي أن يكون عند مجرد التوهم أما عند قيام الشك والاشتباه في صحة الجمعة فالظاهر وجوب الأربع ونقل عن شيخه ابن الهمام ما يفيده وبه يعلم أنها هل تجزي عن السنة أم لا ؟ فعند قيام الشك لا وعند عدمه نعم ويؤيد التفصيل تعبير التمرتاشي بلا بدء وكلام القنية المذكور ا هـ .

                                                                                        وتمام تحقيق المقام في رسالة المقدسي رحمه الله تعالى ، وقد ذكر شذرة منها في إمداد الفتاح ، وإنما أطلنا في ذلك لدفع ما يوهمه كلام المؤلف من عدم طلب فعلها نعم إن أدى إلى مفسدة لا يفعل لكن الكلام عند عدمها ; ولذا قال المقدسي نحن لا نأمر بذلك أمثال هذه العوام بل ندل عليه الخواص ، ولو بالنسبة إليهم [ ص: 155 ] ( قوله ولأن الاحتياط هو العمل إلخ ) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها ; لأن بدون واو العطف ، وهو الصواب ; لأنه جواب لقوله لا يقال وقوله قبله ; لأن الاجتماع إلخ ليس جوابه بل هو تعليل لقوله ليخرج .




                                                                                        الخدمات العلمية