الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وشرط وجوبها : الإقامة والذكورة والصحة والحرية وسلامة العينين والرجلين ) فلا تجب على مسافر ، ولا على امرأة ، ولا مريض ، ولا عبد ولا أعمى ، ولا مقعد ; لأن المسافر يحرج في الحضور ، وكذا المريض والأعمى والعبد مشغول بخدمة المولى والمرأة بخدمة الزوج فعذروا دفعا للحرج والضرر ، ولم أر حكم الأعمى إذا كان مقيما بالجامع الذي تصلى فيه الجمعة ، وأقيمت وهو حاضر هل تجب عليه لعدم الحرج أو لا ، وإنما لم يذكر العقل والبلوغ والإسلام ; لأنها شرط كل تكليف فلا حاجة إلى ذكرها هنا كما في الخلاصة وأما الشيخ الكبير الذي ضعف فهو ملحق بالمريض فلا يجب عليه ، وفي فتح القدير والمطر الشديد والاختفاء من السلطان الظالم مسقط فلو قال المصنف وشرط وجوبها الإقامة والذكورة والصحة والحرية ووجود البصر والقدرة على المشي وعدم الحبس والخوف والمطر الشديد لكان أشمل وأشار المصنف باشتراط الحرية إلى عدم وجوبها على المكاتب والمأذون والعبد الذي حضر مع مولاه باب المسجد لحفظ الدابة ، ولم يخل بالحفظ والعبد الذي يؤدي الضريبة لفقد الشرط لكن هل له صلاتها بغير إذن المولى قال في التجنيس وإذا أراد العبد أن يخرج إلى الجمعة أو إلى العيدين بغير إذن مولاه إن كان يعلم أن مولاه يرضى بذلك جاز وإلا فلا يحل له الخروج بغير إذنه ; لأن الحق له في ذلك ، ولو رآه فسكت حل له الخروج إليها ; لأن السكوت بمنزلة الرضى وعن محمد في العبد يسوق دابة مولاه إلى الجامع فإنه يشتغل بالحفظ ، ولا يصلي الجمعة ; لأنه لم يوجد الرضا بأداء الجمعة والأصح أن له ذلك إذا كان لا يخل بحق المولى في إمساك دابته ا هـ .

                                                                                        وفي السراج الوهاج ، فإن أذن للعبد مولاه وجب عليه الحضور وقال بعضهم يتخير وصحح الوجوب على المكاتب ومعتق البعض ، ولا يخفى ما فيه وجزم في الظهيرية في العبد الذي أذن له مولاه بالتخيير ، وهو أليق بالقواعد فأشار باشتراط سلامة العينين إلى عدم وجوبها على الأعمى مطلقا أما إذا لم يجد قائدا فمجمع عليه ، وإن وجده إما بطريق التبرع أو الإجارة أو معه مال يستأجره به فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما تجب عليه وأشار باقتصاره على هذه الشروط إلى أنها لا تسقط عن الأجير ، وفي الخلاصة وللمستأجر منع الأجير عن حضور الجمعة وهذا قول الإمام أبي حفص وقال الإمام أبو علي الدقاق ليس له أن يمنعه لكن تسقط عنه الأجرة بقدر اشتغاله بذلك إن كان بعيدا ، وإن كان قريبا لا يحط عنه شيء ، وإن كان بعيدا أو اشتغل قدر ربع النهار حط عنه ربع الأجرة ، فإن قال الأجير حط عني الربع بمقدار اشتغالي بالصلاة لم يكن له ذلك ا هـ .

                                                                                        وظاهر المتون يشهد للدقاق ، ولا حاجة إلى ذكر سلامة العينين والرجلين لدخولهما تحت الصحة كما وقع في كثير من الكتب مع أن ظاهر العبارة مشكل ; لأنه يقتضي أن إحداهما لو لم تسلم فإنه لا تجب عليه صلاة الجمعة مع أن الأمر بخلافه ; لأنه ليس بأعمى ، ولا بمقعد فلو قال ووجود البصر والقدرة على المشي لكان أولى إلا أن يقال إن الألف واللام إذا دخلت على المثنى أبطلت معنى التثنية كالجمع [ ص: 164 ] فصار بمعنى المفرد وألحق بالمريض الممرض ، وفي السراج الوهاج الأصح أنه إن بقي المريض ضائعا بخروجه لم يجب عليه ، وفي التجنيس الرجل إذا أراد السفر يوم الجمعة لا بأس به إذا خرج من العمران قبل خروج وقت الظهر ; لأن الوجوب بآخر الوقت وآخر الوقت هو مسافر فلم يجب عليه صلاة الجمعة قال رضي الله عنه وحكي عن شمس الأئمة الحلواني أنه كان يقول لي في هذه المسألة إشكال ، وهو أن اعتبار آخر الوقت إنما يكون فيما ينفرد بأدائه ، وهو سائر الصلوات فأما الجمعة لا ينفرد هو بأدائها ، وإنما يؤديها الإمام والناس فينبغي أن يعتبر وقت أدائهم حتى إذا كان لا يخرج من المصر قبل أداء الناس ينبغي أن يلزمه شهود الجمعة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فإن قال الأجير حط عني الربع بمقدار اشتغالي ) لم أجد لفظة الربع هنا في نسختي الخلاصة وبدونها يظهر المعنى وكأنها زائدة من الناسخ في نسخة المؤلف والمعنى ما قاله في التتارخانية ليس للأجير أن يطالبه من الربع المحطوط بمقدار اشتغاله بالصلاة ( قوله : ولا حاجة إلخ ) ذكر في النهر أن المراد بالمريض الذي خرج بقيد الصحة من ساء مزاجه وأمكن علاجه ، ولكل جهة ; لما قاله بعضهم : إن عدم سلامة العينين والرجلين من الأمراض عند الأطباء إلا أنهما في العرف لا يعدان مرضا فلهذا خصهما بالذكر ولأن فيهما خلافا ا هـ .

                                                                                        ( قول مع أن الأمر بخلافه إلخ ) استدرك عليه في الدر المختار بما قاله الشمني وغيره لا تجب على مفلوج الرجل ، ولا مقطوعها وأجاب بعضهم بحمل ما ذكره المؤلف على ما إذا أصاب الأخرى مجرد العرج الغير المانع من المشي بلا مشقة [ ص: 164 ] ( قوله أحدها هذه المسألة ) أعني مسألة المتن أي صحة الظهر مع الكراهة أو الحرمة فإنها لا تصح عند زفر كما في التبيين والفتح وكان ينبغي للمؤلف أن ينص على ذلك ليندفع الاشتباه ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية