الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 75 ] 3 - باب

                                سنة العيدين لأهل الإسلام

                                فيه حديثان:

                                الأول:

                                908 951 - حدثنا حجاج: أنا شعبة: أخبرني زبيد: سمعت الشعبي، عن البراء: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا .

                                التالي السابق


                                مراده: الاستدلال بهذا الحديث على أن سنة أهل الإسلام التي سنها لهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم- في عيد النحر: الصلاة ثم النحر بعد رجوعهم من الصلاة.

                                وهذا مما اتفق المسلمون على أنه سنة في يوم النحر، وإنما اختلفوا: هل هو واجب، أم لا ؟

                                فأما النحر، فيأتي الكلام عليه في موضع آخر - إن شاء الله سبحانه وتعالى.

                                وأما صلاة العيد، فاختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال:

                                أحدها: أنها سنة مسنونة، فلو تركها الناس لم يأثموا.

                                هذا قول الثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبي يوسف ، وحكي رواية عن أحمد .

                                واختلفوا: هل يقاتلون على تركها ؟ وفيه وجهان للشافعية. وقال أبو يوسف : آمرهم وأضربهم; لأنها فوق النوافل، ولا أقاتلهم; لأنها دون الفرائض.

                                وقد يتعلق لهذا القول بإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم- عن المصلي يوم العيد أنه أصاب السنة.

                                [ ص: 76 ] ولا دليل فيه; فإن السنة يراد بها الطريقة الملازمة الدائمة، كقوله: سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا

                                والقول الثاني: أنها فرض كفاية، فإذا اجتمع أهل بلد على تركها أثموا وقوتلوا على تركها.

                                وهو ظاهر مذهب أحمد ، نص عليه في رواية المروذي وغيره. وهو قول طائفة من الحنفية والشافعية.

                                والقول الثالث: أنها واجبة على الأعيان كالجمعة.

                                وهو قول أبي حنيفة ، ولكنه لا يسميها فرضا.

                                وحكى أبو الفرج الشيرازي - من أصحابنا- رواية عن أحمد : أنها فرض عين.

                                وقال الشافعي - في " مختصر المزني " -: من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين.

                                وهذا صريح في أنها واجبة على الأعيان.

                                وليس ذلك خلافا لإجماع المسلمين، كما ظنه بعضهم.

                                وكثير من أصحابه تأولوا نصه بتأويلات بعيدة، حتى إن منهم من حمله على أن الجمعة فرض كفاية كالعيد.

                                وأقرب ما يتأول به: أن يحمل على أن مراده: أن العيد فرض كفاية; لأن فروض الكفاية كفروض الأعيان في أصل الوجوب، ثم يسقط وجوب فرض الكفاية بفعل البعض دون فرض العين.

                                فقد يقال: إن الشافعي أراد أن يعلق الوجوب في العيد بمن يتعلق به وجوب [ ص: 77 ] الجمعة وإن كانت العيد تسقط بحضور بعض الناس دون الجمعة.

                                وهذا أشبه مما تأوله به أصحابه، مع مخالفته لظاهر كلامه وبعده منه; فإنه صرح بوجوب الحضور في العيد كحضور الجمعة.



                                الخدمات العلمية