الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثالث:

                                351 358 - ثنا عبد الله بن يوسف: أنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولكلكم ثوبان؟ ".

                                التالي السابق


                                وقد رواه ابن عيينة والأوزاعي عن الزهري ، كما رواه مالك .

                                ورواه يونس وعقيل عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة .

                                قال أبو حاتم الرازي : كلاهما صحيح.

                                ورواه الأوزاعي ، وفي روايته: قال: " ليتوشح به، ثم ليصل فيه ".

                                وقيل: إنه تفرد بهذه اللفظة عن الزهري .

                                وقوله: " أولكلكم ثوبان ؟ " إشارة إلى أن منهم من لا يجد سوى ثوب واحد، فلو لم يصل أحد في ثوب واحد لشق ذلك على بعض الناس أو كثير منهم، والحرج مرفوع عن هذه الأمة بقوله: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج وقوله: وما جعل عليكم في الدين من حرج

                                [ ص: 148 ] فدلت أحاديث هذا الباب كلها على أنه يجوز أن يصلي الرجل في ثوب واحد، يشتمل به على منكبيه، ويخالف بين طرفيه على عاتقيه، وهو أفضل من الاتزار به، وعقده على قفاه، فإنه إنما يتزر به ويعقد عند ضيقه.

                                هذا قول أصحابنا والشافعية وغيرهم، وسيأتي من حديث جابر التصريح بهذا المعنى.

                                وكان كثير من الصحابة يصلي كذلك ويأمر به، منهم: علي ، وجابر ، وخالد بن الوليد .

                                وقد روي عن طائفة من السلف ما يدل على خلاف ذلك، وأن الاتزار بالثوب الواحد في الصلاة أولى من الاشتمال.

                                وروى وكيع ، عن فضيل بن غزوان ، عن عبد الله بن واقد قال: صليت إلى جنب ابن عمر وأنا متوشح، فأمرني بالأزرة.

                                وعن عون بن صالح ، عن حيان البارقي ، قال: قال ابن عمر : لا تلبب كتلبب اليهود - يعني: في التوشح.

                                وفي " سنن أبي داود " من طريق حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: أو قال عمر -: " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب فليتزر، ولا يشتمل اشتمال اليهود ".

                                وقد سبق أنه حديث مختلف في رفعه وفي وقفه على عمر بن الخطاب ، وقد روي موقوفا على ابن عمر من قوله.

                                وفي رواية مرفوعة خرجها الحاكم وصححها: " إذا لم يجد أحدكم إلا [ ص: 149 ] ثوبا واحدا فليشده على حقويه، ولا يشتمل اشتمال اليهود ".

                                قال الأثرم في هذا الحديث: ليس كل أحد يرفعه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه خلافه - يشير إلى الالتحاف والاتشاح بالثوب، كما تقدم.

                                وإن صح حديث ابن عمر فهو محمول على ما إذا لم يرده على عطفيه، فإن ذلك هو السدل المكروه، وبذلك فسر السدل الإمام أحمد وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة.

                                وممن كره السدل في الصلاة : علي ، وابن مسعود ، قال أحمد : صح عن علي أنه كرهه، وجعله من فعل اليهود، واختلفوا فيه عن ابن عمر .

                                وفي كراهته أحاديث مرفوعة في أسانيدها مقال.

                                وعن أحمد أنه لا يكره، إلا إذا لم يكن تحته قميص.

                                وكان الحسن وابن سيرين يسدلان على قميصهما، ورخص النخعي في السدل على القميص، وكرهه على الإزار، وحكي نحوه عن أحمد .

                                وفسر آخرون السدل بما ذكرنا، وزادوا: أن يكون مسبلا تحت الكعبين، وهذا هو المروي عن الشافعي ، وهو الذي ذكره أكثر أصحابه، وبعض أصحابنا، وقاله الخطابي وغيره، وجعلوا حكمه حكم إسبال الإزار تحت الكعبين: إن كان خيلاء حرم ذلك، وإن لم يكن خيلاء ففيه الاختلاف المشهور.

                                والصحيح: أن ذلك ليس بشرط في السدل، وأن الاختلاف في كراهة السدل إذا لم يعطف أحد طرفي ثوبه على الآخر وإن لم يكن مسبلا. والله أعلم.

                                قال يزيد بن أبي حكيم : رأيت سفيان الثوري يصلي مرخيا رداءه في الأرض، قد اشتمله وكشف عن بطنه وصدره، غير أنه قد زر طرفي الثوب، [ ص: 150 ] ممسكا عليها عند موضع الأزرة، فسألته: أسدل هذا؟ قال: لا، حتى يرخيه ولا يمسكه.

                                وكذلك روى إسحاق بن منصور ، أنه رأى أحمد يصلي سادلا، وطرفا ثوبه بيده، فإذا قام من الركوع خلى عنهما.



                                الخدمات العلمية