الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              7097 [ ص: 532 ] 49 - باب: قول الله تعالى: إن الإنسان خلق هلوعا

                                                                                                                                                                                                                              أي ضجورا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا [ المعارج: 19 - 21 ].

                                                                                                                                                                                                                              7535 - حدثنا أبو النعمان، حدثنا جرير بن حازم، عن الحسن، حدثنا عمرو بن تغلب قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - مال، فأعطى قوما ومنع آخرين، فبلغه أنهم عتبوا، فقال: " إني أعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي أقواما لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب ". فقال عمرو: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم. [ انظر: 923 - فتح: 13 \ 511 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث عمرو بن تغلب - رضي الله عنه - : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - مال، فأعطى قوما ومنع آخرين، فبلغه أنهم عتبوا، فقال: " إني أعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي. . " الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              معنى هذا الباب إثبات خلق الله تعالى الإنسان بأخلاقه التي خلقه عليها من الهلع، والمنع والإعطاء، والصبر على الشدة، واحتسابه ذلك على ربه تعالى، وفسر هلوعا بقول من قال: ( ضجورا ) ; لأن الإنسان إذا مسه الشر ضجر به ولم يصبر محتسبا، ويلزم من آمن بالقدر خيره وشره وعلم أن الذي أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، الصبر على كل شدة تنزل به.

                                                                                                                                                                                                                              ألا ترى أن الله تعالى قد استثنى المصلين الذين هم على صلاتهم [ ص: 533 ] دائمون، لا يضجرون بتكررها عليهم ولا يملونها; لأنهم محتسبون ( لها ) ومكتسبون بها التجارة الرابحة في الدنيا والآخرة، وكذلك لا يمنعون حق الله في أموالهم، فعرفك بما خلق الله عليه ( أهل الجنة ) من حسن الأخلاق، وما استثنى به العارفين المحتسبين بالصبر على الصلاة والصدقة، فقد أفهمك أن من ادعى لنفسه قدرة وحولا بالإمساك والشح ( والضجر ) من الإملاق والفقر وقلة الصبر لقدر الله الجاري عليه بما سبق في علمه ليس بعالم ولا عابد على حقيقة ما يلزمه، فمن ادعى أن له قدرة على نفع نفسه أو دفع الضرر عنها فقد ادعى أن ( فيه ) صفة الإلهية من القدرة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث عمرو بن تغلب أن أرزاق العباد ليست من الله تعالى على قدر الاستحقاق بالدرجة والرفعة عنده، ولا عند السلطان ( في الدنيا )، وإنما هي على وجه المصلحة والسياسة لنفوس العباد الأمارة بالسوء.

                                                                                                                                                                                                                              ألا ترى أنه - عليه السلام - كان يعطي أقواما ليداوي ما بقلبهم من الجزع، وكذلك المنع هو على وجه ( المصلحة ) بتمهيده بما قسم الله تعالى له; لمنعه - عليه السلام - أهل البصائر واليقين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 534 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أيضا: أن البشر فاضلهم ( ومفضولهم ) قد جبلوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته، وهل لفاعل ذلك مخرج؟

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن المنع قد لا يكون مذموما ويكون أفضل للممنوع; لقوله: "وأكل أقواما لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير" وهذه المنزلة التي شهد له بها الشارع أفضل من العطاء الذي هو عرض الدنيا، ألا ترى أن عمرو بن تغلب اغتبط بذلك بعد جزعه، وقال: ( ما أحب أن لي بذلك حمر النعم ).

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: استئلاف من يخشى منه، والاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه، وهذا موضع ( كان ) يحتمل التأنيب للظان واللوم له، لكنه - عليه السلام - رءوف رحيم كما وصفه به الرب - جل جلاله - :

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قول البخاري: ( هلوعا: ضجورا ). قال فيه الجوهري: الهلع: أفحش الجزع.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي: إنه والجزع واحد قال: وكان يقال: القناعة غنى لا ينفد. قال: والقناعة بكسر القاف، والذي ذكره أهل اللغة أنها بالفتح.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( أنهم عتبوا ) هو بفتح التاء، أي: وجدوا عليه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية