الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              7120 7559 - حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا ابن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " قال الله - عز وجل - : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو شعيرة ". [ انظر: 5953 - مسلم: 2111 - فتح: 13 \ 528 ].

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 577 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 577 ] ثم ساق حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من الأشعريين نستحمله، قال: "والله لا أحملكم". وذكر الحديث إلى قوله: "لست أنا أحملكم، ولكن الله حملكم. . " إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في وفد عبد القيس بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عائشة - رضي الله عنها - : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم".

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا مثله.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو شعيرة".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: والله خلقكم وما تعملون [ الصافات: 96 ] قيل: أي: وما تعملون منه الأصنام، وهي: الخشب والحجارة وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة: وما تعملون بأيديكم.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: يجوز أن تكون ( ما ) نفيا أي: وما تعملون لكن الله خالقه، ويجوز أن تكون مصدرية، أي: وعملكم، ويجوز أن تكون استفهاما بمعنى التوبيخ.

                                                                                                                                                                                                                              وغرضه في هذا الباب: إثبات أفعال العباد وأقوالهم خلقا لله كسائر الأبواب المتقدمة، واحتج بالآية المذكورة ثم فصل بين الأمر بقوله [ ص: 578 ] للشيء: كن ( فيكون ) وبين خلقه; قطعا للمعتزلة القائلين بأن الأمر هو الخلق، وأنه إذا قال للشيء: كن. معناه: أنه كونه، نفيا منهم للكلام عن الله تعالى خلافا لقوله تعالى: وكلم الله موسى تكليما [ النساء: 164 ]، وقد سلف بيان الرد عليهم في باب المشيئة والإرادة، ثم زاد في بيان الأمر، فقال تعالى: والشمس والقمر والنجوم مسخرات [ الأعراف: 54 ] فجعل الأمر غير خلقه لها، وغير تسخيرها الذي هو عن أمره، ثم ذكر قول ابن عيينة أنه فصل بين الخلق والأمر، وجعلهما شيئين بإدخاله حرف العطف بينهما، والأمر منه تعالى قول وقوله صفة من صفاته غير مخلوق.

                                                                                                                                                                                                                              ثم بين ذلك أن قول الإنسان بالإيمان وغيره قد سماه الشارع عملا حين سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: "إيمان بالله". والإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح، وكذلك أمره وفد عبد القيس لما سألوه أن يدلهم على ما إن عملوه دخلوا الجنة، فأمرهم بالإيمان بالقلب والشهادة باللسان وسائر أعمال الجوارح، فثبت أن كلام ابن آدم بالإيمان وغيره عمل من أعماله وفعل له، وأن كلام الله - سبحانه وتعالى - المنزل بكلمة الإيمان غير مخلوق، ثم بين لك أن أعمالنا كلها مخلوقة له تعالى خلافا للقدرية الذين يزعمون أنها غير مخلوقة لله تعالى بقوله في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - : ( "لست أنا حملتكم" ) على الإبل، بعد أن حلف لهم أن ما عندي ما أحملكم عليه، وإنما الله الذي حملكم عليها ويسرها لكم، فأثبت ذلك كله فعلا لله تعالى، وهذا بين لا إشكال فيه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 579 ] وأما قوله في حديث عائشة - رضي الله عنها - "يقال للمصورين: أحيوا ما خلقتم" فإنما نسب خلقها إليهم، توبيخا لهم وتقريعا لهم، في مضاهاتهم الله تعالى في خلقه فبكتهم بأن قال لهم: فإذ قد شبهتم مخلوقات الله تعالى فأحيوا ما خلقتم كما أحيا هو تعالى ما خلق فينقطعون بهذه المطالبة ( حتى ) يستطيعون نفخ الروح في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              ومثل هذا قول أبي هريرة - رضي الله عنه - : "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي" يريد: يصور صورة تشبه خلقي، فسمى فعل الإنسان في تصوير مثالها خلقا له; توبيخا له على تشبهه بالله تعالى فيما صور وأحكم وأتقن على غير مثال احتذاه، ولا من شيء قديم ابتدأه، بل أنشأ من معدوم، وابتدع من غير معلوم، وأنتم صورتم من خشب موجود، وحجر غير مفقود، على شبه معهود، مضاهين له وموهمين الأغمار أنكم خلقتم كخلقه، فاخلقوا أقل مخلوقاته وأحقرها الذرة ( المتغذية ) في أدق من الشعر، وأنفذ منكم نفذا في نحت الحجر فتتخذه مسكنا وتدخر فيه قوتها نظرا في معايشها، أو اخلقوا حبة من هذه الأقوات التي خلقها الله تعالى لعباده، ثم يخرج منها زرعا لا يشبهها نباته، ( ثم ) يطلع منها بقدرته من جنسها بعد أن أعدم شخصها عددا من غير زرع نباتها الأخضر قدرة بالغة لمعتبر، وإعجازا لجميع البشر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 580 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: قال في القدر طائفتان: طائفة تقول: الله سبحانه ليس له في العباد شيء، واختلف هؤلاء: هل علم الله أفعال العباد قبل أن يخلقهم؟ وقال عبد الصمد ابن أخت عبد الواحد في طائفة يسيرة، وهم المعتزلة ( المحض ): أن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، ودليلهم هذه الآية وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                              قال بعض الجهلة: إنما عمل الصانع فيها، وهو الذي أخبر الله تعالى أنه خلقهم وخلق أعمالهم. وخالفت القدرية أهل الحق، وذلك أن القدرية يقولون: الاستطاعة قبل الفعل، وقالت أهل السنة: الاستطاعة معه; لأنه إذا شغل نفسه بالترك لم يستطع أن يفعل شيئا وضده، وإذا أخذ في الفعل فارق الترك، وكانت الاستطاعة مع الفعل، ووقت الله تعالى الأوقات; إذ خلق أولها ولم تكن مؤقتة في الأزل إلا من حين أقتت لم يكن لها في الأزل مؤقتا، ولو كان ذلك لكان الصانع محدثا تعالى عن ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله للمصورين: ( "أحيوا ما خلقتم" ) فإنما للمصورين الصنعة ليس خلق الأجسام، وقد سبق عن ابن عيينة: بين الله الخلق من الأمر، يريد: أن الخلق هو المخلوق، والأمر كلامه تعالى وليس بمخلوق، وهو قوله: كن، وقيل: هو مثل قوله: فيهما فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن: 68 ]. وقيل: المعنى وتصريف الأمر.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: الخلق: كل شيء خلق، والأمر يعني: قضاه في الخلق الذي هو في اللوح المحفوظ، وقيل: الخلق الدنيا، والأمر الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 581 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              والدجاج مثلث الدال كما سلف، ومعنى قذرته: كرهته، والنفر: من ثلاثة إلى عشرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( غر الذرى ): أي: بيض أعلى السنام منهن، فغر جمع: أغر، وذرى جمع: ذروة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ( وأبو جمرة ) بالجيم والراء. ( ووفد عبد القيس ) هم ربيعة وهم يجتمعون مع مضر في نزار، ( وهما ) أخوان.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية