الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              794 828 - حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث، عن خالد، عن سعيد، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء.

                                                                                                                                                                                                                              وحدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن محمد، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكرنا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته.

                                                                                                                                                                                                                              وسمع الليث يزيد بن أبي حبيب، ويزيد من محمد بن حلحلة، وابن حلحلة من ابن عطاء. قال أبو صالح، عن الليث: كل فقار. وقال ابن المبارك، عن يحيى بن أيوب قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن محمد بن عمرو حدثه: كل فقار. [فتح: 2 \ 305]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن ثور، عن مكحول أن [ ص: 255 ] أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة بجلسة الرجل .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وكانت فقيهة). الظاهر أنه من قول البخاري وكان أنس أيضا يقول ذلك، وبه قال النخعي، ومالك. وروي عن مالك أنها تجلس على وركها الأيسر، ثم تضع فخذها الأيمن على الأيسر وتضم بعضها إلى بعض قدر طاقتها، ولا تفرج في ركوع ولا سجود ولا جلوس بخلاف الرجل .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: تجلس كيف شاءت إذا تجمعت، منهم عطاء والشعبي والحنفيون والشافعيون ، وكانت صفية تصلي متربعة، ونساء ابن عمر كن يفعلنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعض السلف: كن النساء يؤمرن أن يتربعن إذا جلسن في الصلاة ولا يجلسن جلوس الرجل على أوراكهن فتتقي أن يكون منهن الشيء. وقال الشعبي تجلس كيف تيسر. وقاله جماعة وعطاء، ذكره ابن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                                                              وأم الدرداء اسمها: هجيمة. وقيل: جهيمة. وقيل: جهانة بنت حيي الأوصابية، وهي الصغرى، حجت سنة إحدى وثمانين، خطبها معاوية، لا صحبة لها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 256 ] أما أم الدرداء الكبرى فهي خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي، نزلت الشام وتوفيت في إمرة عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              و (الجلسة) -بكسر الجيم-: الحالة التي يكون عليها الجالس. قال ابن التين: وكذا رويناه. ثم ذكر البخاري بعد ذلك حديث ابن عمر وحديث أبي حميد. أما حديث ابن عمر فرواه مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم عن عبد الله بن عبد الله أنه كان يرى عبد الله بن عمر يتربع في الصلاة ففعلته -وأنا يومئذ حديث السن- فنهاني عبد الله بن عمر، وقال: إنها سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى فقلت: إنك تفعل ذلك، قال: إن رجلي لا تحملاني .

                                                                                                                                                                                                                              وللنسائي: من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقبالك بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية: من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى .

                                                                                                                                                                                                                              وللبيهقي: من حديث مالك عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن

                                                                                                                                                                                                                              محمد
                                                                                                                                                                                                                              كان إذا جلس في التشهد نصب رجله اليمنى وثنى اليسرى، وجلس على وركه اليسرى، ولم يجلس على قدمه ثم قال: أراني [ ص: 257 ] عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وللإسماعيلي: مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عبد الله، وكذا رواه ابن نافع، والأكثرون عن القعنبي فقالوا: عن أبيه. وفي "الموطآت" للدارقطني: وقال عبد الرزاق، عن مالك: صلى ابن عمر متربعا ففعلت. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقول ابن عمر: (إن رجلاي لا تحملاني) يريد أنه كان فدع بخيبر فلم يقدر على أكثر مما فعل.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (رجلاي). قال ابن التين: كذا روي ويحتمل وجهان: أن تكون (إن) بمعنى نعم. كقوله:


                                                                                                                                                                                                                              ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت، فقلت: إنه



                                                                                                                                                                                                                              ويحتمل أن يريد ما ذكر عن بعض العرب أن التثنية على صفة واحدة في حال الرفع والنصب والجر، كقوله تعالى: إن هذان لساحران [طه:63].

                                                                                                                                                                                                                              وقوله:


                                                                                                                                                                                                                              إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها



                                                                                                                                                                                                                              ولم يقل: غايتيها. وليس هناك ضرورة شعر.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث من المسند؛ لأن الصحابي إذا قال سنة فإنما يريد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يرد على ذلك قول علي لما حلف الوليد بن عقبة: جلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، وجلد أبو بكر كذا، وكل سنة ؛ لأنه أراد بالنسبة إلى فعل أبي بكر: الطريقة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 258 ] وقول ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى). هي صفة جلوس الصلاة عند مالك .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي حميد أخرجه عن يحيى عن بكير ثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد يعني ابن أبي هلال، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء. قال: وحدثني الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن محمد، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد ابن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم -، فذكرنا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب الأخرى وقعد على مقعدته، وفي نسخة: وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبد الله: وسمع الليث يزيد بن أبي حبيب، ويزيد من محمد ابن عمر بن حلحلة، وابن حلحلة عن عطاء. قال أبو صالح، عن الليث: كل فقار. وقال ابن المبارك، عن يحيى بن أيوب قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن محمد بن عمرو حدثه: كل فقار.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 259 ] الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              تعليق أبي صالح عن الليث رواه الطبراني في أكبر معاجمه: ثنا مطلب بن شعيب الأزدي، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن يزيد بن محمد القرشي ويزيد بن أبي حبيب، فذكره.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه ابن خزيمة من حديث سهل بن سعد وأبي حميد وأبي أسيد الساعدي ، وفي لفظ عبد الحميد: وفيهم أبو قتادة . واعترض ابن القطان فقال: أبو قتادة مات زمن علي، وسن محمد بن عمرو نقص من إدراك ذلك، وقد قيل في وفاة أبي قتادة: سنة أربع وخمسين ولم يصح .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: محمد بن عمرو سمع أبا قتادة كما صرح به ابن حبان في "ثقاته" ، وما ضعفه في وفاته هو ما ذكره البخاري والترمذي وخلائق.

                                                                                                                                                                                                                              و (الفقار) بفتح الفاء وكسرها كما سلف، وصوب ابن قرقول الفتح، وقول أبي صالح عن الليث: كل قفار بتقديم القاف، كذا للأصيلي كما ذكره ابن قرقول، وعند ابن السكن بكسر الفاء ولغيرهما فتحها، وصححه ابن التين وقال: إنه الذي رويناه، قال: ورواية أبي صالح: قفار، بسبق القاف وكسرها، وليس ببين، وإنما الفقار جمع فقر ، وهي الفقار.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 260 ] واختلف العلماء في صفة الجلوس في الصلاة، فذهب قوم إلى حديث ابن عمر وقالوا: سنة الجلوس في الصلاة كلها وبين السجدتين أن ينصب رجله اليمنى، ويثني اليسرى، ويقعد على وركه الأيسر حتى يستوي قاعدا. هذا قول مالك ، وروي عن النخعي وابن سيرين .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب آخرون إلى حديث أبي حميد وقالوا: إنما القعود في آخر الصلاة، فكما قال أهل المقالة الأولى لأن الجلسة الآخرة فيه متقاربة كما قال ابن عمر، وأما الأولى فعلى الرجل اليسرى على ما في حديث أبي حميد، هذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وعن أحمد: يفترش في الثانية ويتورك في آخر الرباعية .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب الثوري والكوفيون في الجلوس كله إلى الجلسة الأولى من حديث أبي حميد ، وهو الافتراش .

                                                                                                                                                                                                                              حجة الأولين قول ابن عمر: "إن ذلك سنة الصلاة". وهو مرفوع كما سلف.

                                                                                                                                                                                                                              وحجة الثانية حديث أبي حميد كما سلف ولم ينكر عليه، فدل على أنه السنة.

                                                                                                                                                                                                                              وحجة الثالثة حديث وائل بن حجر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس في الصلاة فرش رجله اليسرى ثم قعد عليها ، وجمع بعضهم بأن هذه أحوال [ ص: 261 ] جائزة كلها، وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يقعدون متربعين في الصلاة، كما كان يفعل ابن عمر منهم ابن عباس وأنس، وفعله سالم وعطاء وابن سيرين ومجاهد، وأجازه الحسن في النافلة ، وكرهه ابن مسعود وقال: لأن أصلي على رضفتين أحب إلي من أن أتربع في الصلاة، وكرهه الحسن والحكم ، وحكمه التفرقة بين الجلوس أنه أقرب إلى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول بعضه حركة بخلاف الثاني، وليتوقر للدعاء، ولأن المسبوق إذا رآه علم في أي التشهدين هو.

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي: حديث أبي حميد صريح في التفرقة بينهما، وبقية الأحاديث مطلقة فيجب حملها عليه، فمن روى التورك أراد الآخر ومن روى الافتراش أراد الأول .

                                                                                                                                                                                                                              وقول أبي حميد : (أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). فيه جواز ذلك للعالم ليؤكد ذلك عند سامعه لما في التعليم من الأجر.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (كنت). يعني: فيما مضى وما يأتي، فيصف نفسه بالعناية لهذا الأمر وتحفظه عليه .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية