الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1476 [ ص: 159 ] 27 - باب: التسبيح والتحميد والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة 1551 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء، حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا، حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج، قال: ونحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدنات بيده قياما، وذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة كبشين أملحين. قال أبو عبد الله: قال بعضهم: هذا عن أيوب، عن رجل، عن أنس. [انظر: 1089- مسلم: 690 - فتح: 3 \ 411]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أنس مطولا ، وقد أسلفناه قريبا في باب: من بات بذي الحليفة ببيان متابعته أيضا . وغرض البخاري بهذه الترجمة -والله أعلم- الرد على أبي حنيفة في قوله: أن من سبح أو كبر أو هلل أجزأه من إهلاله، فأثبت البخاري أن التسبيح والتحميد منه، إنما كان قبل الإهلال; لقوله في الحديث بعد أن سبح وكبر: (ثم أهل بحج وعمرة).

                                                                                                                                                                                                                              ويمكن أن يكون فعل تحميده وتكبيره عند ركوبه، أخذا بقوله تعالى: ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه [الزخرف: 13]، ويمكن أن يكون يعلمنا منه جواز الذكر والدعاء مع الإهلال ، وأن الزيادة عليه مستحبة بخلاف ما سلف، نبه عليه ابن بطال .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 160 ] وقوله: (ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما). قد رد عليه ابن عمر هذا القول، وقال: كان أنس حينئذ يدخل على النساء وهن منكشفات، ينسب إليه الصغر وقلة الضبط، حتى نسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإهلال بالقران، وفيه نظر ستعلمه في الباب بعده.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بطال: ومما يدل على قلة ضبط أنس للقصة قوله في الحديث: (فلما قدمنا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس فحلوا، حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج)، وهذا لا معنى له، ولا يفهم إن كان النبي وأصحابه قارنين كما زعم أنس; لأن الأمة متفقة على أن القارن لا يجوز له الإحلال حتى يفرغ من عمل الحج كله، كان معه الهدي أو لم يكن، فلذلك أنكر عليه ابن عمر، وإنما حل من كان أفرد الحج وفسخه في عمرة ثم تمتع .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين: إن صح فمعناه: أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهل غيره بحج وعمرة، فتكون الإباحة هنا بمعنى الفعل كما يقال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقتل العرنيين ، ونزح عثمان البئر . وعلله البخاري بأنه عن أيوب، عن رجل، عن أنس، فأعله; لجهالة الرجل: قلت: لكنه أبو قلابة فيما يظهر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 161 ] وقوله: (ونحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده بدنات قياما) هذه السنة في نحر الإبل قائمة; لأنه أمكن لنحرها; لأنه يطعن في لبتها وتكون معقولة اليد اليسرى. وحكى ابن التين عن مالك -فيما رواه محمد عنه- أن الشأن أن ينحر البدن قائمة، قد عقل يدها بالحبل، وقاله ابن حبيب وهو تفسير قوله تعالى: صواف [الحج: 36]، قال: وروى أيضا محمد عن مالك: لا يعقلها إلا من خاف أن يضعف عنها .

                                                                                                                                                                                                                              والأفضل أن يتولى ذبحها بنفسه كما فعل - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن التين: وفي غير هذا الموضع أنها كانت سبعين بدنة. وفي "الموطإ" عن علي أنه - عليه السلام - نحر بعض هديه، ونحر بعضه غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أن عليا نحر باقيها، وفي الجمع بين هذه الأحاديث الثلاثة تكلف.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: لا تكلف ولله الحمد، فقد أهدى مائة بدنة ، فنحر ثلاثا وستين بيده، كل واحدة عن سنة من عمره، وفيه إشارة إلى قدر عمره، وأعطى عليا فنحر الباقي; ليبين الجواز فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ذبح بالمدينة كبشين أملحين) جاء في رواية أخرى: ذبح أحدهما عن أهل بيته، والآخر عمن لم يضح من أمته، والأملح: الأغبر، وهو الذي فيه سواد وبياض.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية