الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1867 [ ص: 422 ] 51 - باب: من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له

                                                                                                                                                                                                                              1968 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة. فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما. فقال: كل. قال: فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم. فقال: نم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صدق سلمان". [6139 - فتح: 4 \ 209]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي العميس -واسمه: عتبة بن عبد الله أخو عبد الرحمن المسعودي - عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة. فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما. فقال: كل. قال: فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم. فقال: نم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن. فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "صدق سلمان ".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 423 ] هذا الحديث سلف في الصلاة، في باب: من نام أول الليل وأحيا آخره، معلقا ، وقد أسنده هنا، وفي الأدب كما سيأتي ، وأخرجه مسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              وأبو جحيفة: هو وهب بن عبد الله السوائي ، وأم الدرداء هذه الكبرى، اسمها: خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي، في قول أحمد ويحيى ، والصغرى اسمها: هجيمة . وقيل: جهيمة بنت حيي الوصابية، وهي أيضا زوج أبي الدرداء ، والصحبة للكبرى توفيت بالشام في خلافة عثمان قبل أبي الدرداء ، ولم يرو عنها شيء في الكتب الستة، وروت الصغرى فيها ومات عنها أبو الدرداء فخطبها معاوية فلم تتزوجه، وحجت سنة إحدى وثمانين.

                                                                                                                                                                                                                              وأبو الدرداء اسمه عويمر بن زيد بن مالك من بني الحارث بن الخزرج، كان حكيم الأمة، مات بالشام سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، وله عقب بالشام فولد بلالا . وأمه أم محمد [ ص: 424 ] بنت أبي حدرد سلامة بن عمر بن أبي سلامة بن سعد، وليس في الباب ما ترجم له وهو القسم، وإنما قال: ما آكل حتى تأكل.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (متبذلة) في ثياب بذلتها ومهنتها، وأجمع العلماء -كما قال أبو عمر بن عبد البر - على أن من دخل في صلاة تطوع أو صيام تطوع فقطعه عليه عذر من حدث أو غيره لم يكن له فيه سبب أنه لا شيء عليه ، واختلف فيمن دخل في صلاة أو صيام تطوع وقطعه عامدا هل عليه قضاء أم لا؟ فروي عن علي وابن عباس وجابر : لا ، وبه قال الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق واحتجوا بحديث الباب، وقالوا: ألا ترى سلمان لما أمره بالفطر جوزه الشارع، وجعله أفقه منه، واحتج ابن عباس لذلك، وقال: مثله كمثل رجل طاف سبعا ثم قطعه فلم يوفه فله ما احتسب، أو صلى ركعة ثم انصرف ولم يصل أخرى فله ما احتسب، أو ذهب بمال يتصدق به، ثم رجع ولم يتصدق، أو تصدق ببعضه وأمسك بعضا .

                                                                                                                                                                                                                              وكره ابن عمر ذلك وقال: المفطر متعمدا في صوم التطوع ذلك اللاعب بدينه ، وكره النخعي، والحسن البصري، ومكحول الفطر [ ص: 425 ] في التطوع وقالوا: يقضيه . وقال مالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وأبو ثور : عليه القضاء. لكن قال مالك : إن أفطر لعذر فلا قضاء عليه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه القضاء .

                                                                                                                                                                                                                              والفقهاء كلهم وأصحاب الأثر والرأي يقولون: إن المتطوع إذا أفطر ناسيا أو غلبه شيء فلا قضاء عليه، وقال ابن علية : إذا أفطر ناسيا أو متعمدا عليه القضاء، واحتج مالك لمذهبه بما رواه في "الموطإ" عن ابن شهاب : أن عائشة، وحفصة زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم - أصبحتا صائمتين متطوعتين فأهدي لهما طعام فأفطرتا عليه، فدخل عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه بذلك فقال: "اقضيا يوما آخر مكانه" ، ورواه ابن أبي عاصم في كتاب "الصيام " من حديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد، عن عمرة، عن عائشة أنها دخلت عليها امرأة فأتت بطعام، فقالت: إني صائمة، فقال - عليه السلام -: "أمن قضاء رمضان؟ "، قال: "فأفطري واقضي يوما مكانه" فكان معنى هذا الحديث عنده أنهما أفطرتا لغير عذر; لذلك أمرهما بالقضاء، وقد قال تعالى: ولا تبطلوا أعمالكم [محمد: 33] ومن أفطر متعمدا بعد دخوله في الصوم فقد [ ص: 426 ] أبطل عمله، وقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة: 196] وأجمع المسلمون أن المفسد لحجة التطوع وعمرته يلزمه القضاء. فالقياس على هذا الإجماع يوجب القضاء على مفسد صومه عامدا، وقد أجاب الشافعي نفسه عن هذا، وفرق بأن من أفسد صلاته أو صيامه أو طوافه كان عاصيا لو تمادى في ذلك فاسدا وهو في الحج مأمور بالتمادي فيه فاسدا، ولا يجوز له الخروج منه حتى يتمه على فساده ثم يقضيه، وليس كذلك الصوم والصلاة ورواية " اقضيا إن شئتما يوما مكانه " لا تصح ، ولو صحت كان معناها: أنهما أفطرتا لعذر فقال لهما: " اقضيا إن شئتما " [ ص: 427 ] وأفطرتا مرة بغير عذر فأمرهما بالقضاء جمعا بين الروايتين، وحجة أبي حنيفة ظاهر حديث مالك الأمر بالقضاء، ولم يشرط ذلك بعذر ولا غيره، وبالقياس على الصلاة، والصدقة، والصوم، والحج، والعمرة إذا [ ص: 428 ] نذرها، وعلى الحج والعمرة كما سلف فالصلاة والصيام كذلك، وأيضا فطر أبي الدرداء كان لعذر، وهو منع زائره من الأكل ولم يكن منتهكا ولا متهاونا. ألا ترى أن ابن عمر لم يجد ما يصفه به إلا أن قال: ذلك المتلاعب بدينه. فإذا لم يكن متلاعبا وكان لإفطاره وجه لم يكن عليه قضاؤه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن قدامة : روى حنبل عن أحمد : إذا أجمع رجل الصيام فأوجبه على نفسه وأفطر من غير عذر أعاد يوما مكان ذلك اليوم، وهذا محمول على أنه استحب ذلك أو نذره ليكون موافقا لسائر الروايات عنه ، واستدل الشافعي ومن قال بقوله بقول علي، وجابر بن عبد الله، وابن عباس : لا قضاء عليه. وقد سلف، وبحديث أم هانئ: وشربت من شراب ناولها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني كنت صائمة، فقال: " الصائم المتطوع أمين ". وفي رواية " أمير نفسه: إن شاء صام وإن شاء أفطر "، قال الترمذي : في إسناده مقال .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 429 ] ولأحمد : فقالت: إني صائمة، ولكن كرهت أن أرد سؤرك، فقال: "إن كان قضاء من رمضان فاقضي مكانه يوما وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضيه وإن شئت فلا تقضيه" ، وبحديث أبي سعيد لما قال رجل [ ص: 430 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 431 ] في وليمته: أنا صائم، قال له - عليه السلام -: " دعاكم أخوكم وتكلف لكم، أفطر وصم مكانه يوما إن شئت " أخرجه البيهقي، ثم قال: وروي بسند آخر عنه ، وبحديث عائشة : يا رسول الله، أهدي لنا حيس قال: "أما [ ص: 432 ] إني أصبحت صائما" ثم أكل، حسنه الترمذي وهو في مسلم ، زاد النسائي : " يا عائشة إنما منزلة من صام في غير رمضان أو في غير قضاء رمضان أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله، فجاد منها بما شاء وأمضاه وبخل بما بقي فأمسكه" ، وحديث أنس مرفوعا: " الصائم بالخيار فيما بينه وبين نصف النهار " ضعفه البيهقي ، وأخرجه من حديث أبي ذر وضعفه ، ومن حديث أبي أمامة، وإسناده

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 433 ] ضعيف ، ورواه موقوفا على ابن عمر قال: ولا يصح رفعه ، وعن ابن مسعود : إذا أصبحت وأنت تنوي الصيام فأنت بأخير النظرين: إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت ، وحديث "الموطإ" السالف عن ابن شهاب أخرجه الترمذي بذكر عروة عن عائشة، ثم قال: والأصح إسقاط عروة فإنه قال: إنه لم يسمعه منه، وإنما سمعه عن ناس، عن بعض من سأل عائشة عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشافعي، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج : قلت لابن شهاب : أسمعته من عروة؟ قال: لا إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان، أو رجل من جلسائه ، وقال الترمذي في "علله" عن محمد -يعني: البخاري - لا يصح حديث الزهري عن عروة، عنها في هذا، وجعفر بن برقان الراوي عن الزهري ثقة وربما يخطئ في الشيء . وقال الخلال : أصحاب الزهري الثقات اتفقوا على إرساله، ووصله ابن برقان وابن أبي الأخضر ولا يعبأ بهما. ولما [ ص: 434 ] رواه النسائي من حديث جعفر وسفيان بن عيينة عن الزهري ، قال: هذا خطأ وهما ليسا بالقويين في الزهري ولا بأس بهما في غيره.

                                                                                                                                                                                                                              ورواه أيضا من حديث يحيى بن أيوب، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة- ابن أخي موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن عروة عنها ، وذكر ابن عبد البر : أن القدامي وروح بن عبادة وعبد الملك بن يحيى رووه عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، والصحيح ما في "الموطإ" قال: ورواه صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد الأنصاري وإسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة وعبد الله العمري، عن الزهري، عن عروة عنها، إلا أن مدار حديث صالح ويحيى على يحيى بن أيوب وليس بذاك القوي، وابن أبي حبيبة متروك، وابن برقان في الزهري ليس بشيء، وسفيان وابن أبي الأخضر في حديثهما عن الزهري خطأ كبير، وحفاظ أصحاب الزهري يروونه مرسلا منهم: مالك ومعمر وابن عيينة، قال ابن عيينة : سألوا ابن شهاب وأنا شاهد: أهو عن عروة؟ قال: لا. قال ابن عبد البر : والظاهر أن السائل المشار إليه ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 435 ] ورواه أبو خالد الأحمر، عن عبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وحجاج بن أرطاة كلهم عن الزهري، عن عروة عنها. قال : قد روي أيضا في هذا الباب حديث لا يصح فيه قوله لهما: "صوما يوما مكانه" ، وروي عنهما حديث ابن عباس أيضا بمثل ذلك، وهو حديث منكر .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: أخرجه النسائي من حديث خطاب بن القاسم عن خصيف عنه ، وقال أبو حاتم الرازي : رواه عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن مقسم، عن عائشة، وهو أشبه بالصواب ومقسم أدرك عائشة ، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد السلام بن حرب، عن سعيد بن جبير : أن عائشة وحفصة، فذكره .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر : وأحسن حديث في هذا الباب إسنادا حديث ابن وهب، عن حيوة، عن ابن الهاد، عن زميل مولى عروة، عن عائشة [ ص: 436 ] بنت طلحة، عن عائشة، وحديث ابن وهب أيضا عن جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة ، إلا أن غير جرير إنما يرويه عن يحيى بن سعيد عن الزهري . ولما خرج النسائي حديث ابن الهاد قال: حدثني زميل، قال: زميل وليس بالمشهور، وقال البخاري : لا يعرف له سماع من عروة، ولا لابن الهاد منه، ولا تقوم به حجة ، ولما سأل مهنا أحمد عنه كرهه، وقال: زميل لا أدري من هو، وقال الخطابي : إسناده ضعيف، وزميل مجهول .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: ذكره ابن حبان في "ثقاته" وخرج له الحاكم، وقال ابن عدي لما ذكر هذا الحديث: إسناده لا بأس به، وقد صرح بالسماع، ثم قال: ولو ثبت احتمل أن يكون أمرها استحبابا ، وأما ابن حزم فصحح حديث جرير بن حازم وقال: لم يخف علينا قول من قال -يريد أحمد وابن المديني - أخطأ جرير في هذا الخبر، وهذا ليس بشيء; لأن جريرا ثقة، وقد صح النص بالقضاء في الإفطار .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وكذا صححه ابن حبان من حديث حرملة، عن ابن وهب، عن جرير ، والنسائي رواه من حديث أحمد بن عيسى الخشاب، عن ابن وهب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 437 ] وأعله ابن القطان بأحمد هذا، وقال: يروي أباطيل ، وقال ابن الحصار في "تقريب المدارك": هذا سند صحيح ورجاله رجال الصحيح ولا يضره الإرسال. قلت: وتابع جريرا عن يحيى الفرج بن فضالة، أخرجه الدارقطني، لكن ضعفوه، وأخرج النسائي بإسناده الصحيح من حديث ابن عيينة، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة في حديث الهدية "أدنيها فقد أصبحت صائما" فأكل ثم قال: "لكن أصوم يوما مكانه" وهو في مسلم بغير هذه الزيادة . ثم قال النسائي : هذا خطأ قد رواه جماعة عن طلحة فلم يذكر أحد منهم هذه الزيادة.

                                                                                                                                                                                                                              وروى وكيع بن الجراح من حديث داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب : خرج عمر يوما على أصحابه فقال: إني أصبحت صائما، فمرت بي جارية لي فوقعت عليها فما ترون؟ فقال علي : أصبت حلالا وتقضي يوما مكانه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له عمر : أنت أحسنهم فتيا . وهو منقطع فيما بين سعيد وعمر، ولعله سمعه من علي .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : روينا عن ابن عباس أنه كان يأمر المفطر في التطوع بقضاء يوم مكانه ، وفي "مصنف ابن أبي شيبة " من حديث عثمان البتي : أن أنس بن سيرين صام يوم عرفة فعطش عطشا شديدا، فأفطر [ ص: 438 ] فسأل عدة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمروه أن يقضي يوما مكانه . وعن مكحول، والحسن مثله، وعن عطاء، ومجاهد مثله .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : ومن احتج في هذه المسالة بقوله تعالى: ولا تبطلوا أعمالكم [محمد: 33] فجاهل بأقوال أهل العلم، وذلك أن العلماء فيها على قولين: فقول أكثر أهل السنة: لا تبطلوها بالرياء أخلصوها لله. وقال آخرون: لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر، وقد ثبت في الحديث: " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائما فلا يأكل " فلو كان الفطر في التطوع حسنا لكان أفضل ذلك وأحسنه في إجابة الدعوة التي هي سنة مسنونة، فلما لم يكن ذلك كذلك علم أن الفطر لا يجوز. وقال - عليه السلام -: " لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير شهر رمضان إلا بإذنه " . وفيه ما يدل على أن المتطوع لا يفطر ولا يفطره غيره; لأنه لو كان للرجل أن يفسد عليها صومها ما احتاجت إلى إذنه، ولو كان مباحا لكان إذنه لا معنى له، فكذا في حديث الأعرابي: "إلا أن تطوع" فأثبت الوجوب مع التطوع .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 439 ] قال القرطبي : وأجابوا عن حديث أبي جحيفة في الباب أن إفطار أبي الدرداء كان لقسم سلمان .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: قد سلف أن ذلك ليس فيه، ولعذر الضيافة. وأيضا يقول الحنفي: أخبارنا مثبتة، والثبوت أولى من النفي، وتلك الأخبار إما نافية أو مسكوت فيها عن القضاء.

                                                                                                                                                                                                                              خاتمة:

                                                                                                                                                                                                                              فيه من الأحكام: جواز الموآخاة في الله، وأنه - عليه السلام -كان يفعله بين أصحابه; ليتحابوا ويتواسوا ويتزاوروا، واستحباب الزيارة والنظر إلى ذات المرأة غير ذات المحرم; ليعرف حالها، والمبيت عند المزور، والنوم للتقوي على القيام، والنهي عن الغلو في الدين، وتنبيه من غفل، وزينة المرأة للزوج، وقيام آخر الليل، وذكر ما جرى; ليحمل على الأوفق، وتصويبه للمصيب. وذكر أن أبا الدرداء كان بعد ذلك يقول: تداركني سلمان تداركه الله، أحياني أحياه الله، والله ما كان شيء أبغض إلي من سواد الليل إذا أقبل.

                                                                                                                                                                                                                              ونقل ابن التين عن مذهب مالك : أنه لا يفطر لضيف نزل به، قال: وكذلك لو حلف عليه بالطلاق والعتاق، وكذا لو حلف هو بالله ليفطرن كفر ولا يفطر.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية