الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1881 [ ص: 481 ] 61 - باب: من زار قوما فلم يفطر عندهم

                                                                                                                                                                                                                              1982 - حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني خالد -هو: ابن الحارث - حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، قال" " أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم". ثم قام إلى ناحية من البيت، فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم، وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله، إن لي خويصة. قال: "ما هي؟ ". قالت: خادمك أنس. فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، قال: "اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له". فإني لمن أكثر الأنصار مالا. وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة.

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى قال: حدثني حميد، سمع أنسا رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [6334، 6344، 6378، 6380 - مسلم: 2481 - فتح: 4 \ 228]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أنس : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، فقال: "أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم". ثم قام إلى ناحية من البيت، فصلى غير المكتوبة .. الحديث، وفي آخره: وقال: ابن أبي مريم، أنا يحيى بن أيوب، نا حميد : سمعت أنسا، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              وفي بعض النسخ: حدثنا ابن أبي مريم، وهو من أفراده، وهو من رواية الآباء عن الأبناء فإن فيه: وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة وفيه تصنيف للحافظ أبي بكر الخطيب ، وفي رواية محمد بن عبد الله الأنصاري، عن حميد :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 482 ] ثلاثة وعشرون ومائة. ذكرها الخطيب في الكتاب المذكور، وعند ابن اللباد أن المجتمعين من ولد أنس وولد ولده عشرون ومائة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه زيارة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأم سليم; لأنها خالته من الرضاعة، كذا قال ابن التين . وقال ابن عبد البر : إحدى خالاته من النسب; لأن أم عبد الله سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد بن حراش ابن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم، وأنكره الدمياطي وقال: إنها خئولة بعيدة لا تثبت حرمة، ولا تمنع نكاحا.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيح: أنه - عليه السلام - كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم فقيل له في ذلك، فقال: "أرحمها; قتل أخوها حرام معي " فبين تخصيصها بذلك ولو كان ثم علة أخرى لذكرها; لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. وهذه العلة مشتركة بينها وبين أختها أم حرام، وليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعله كان ذلك مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع، لكن العصمة قائمة به فلا حاجة إلى ذلك ولا حاجة إلى دعوى أن قتل حرام كان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع ، ونزول الحجاب سنة خمس، فلعل دخوله عليها كان قبل ذلك; لما قلناه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 483 ] وفيه أيضا: رجوع الطعام إلى أهله إذا لم يقبله من قدم إليه إذا لم يكن في ذلك سوء أدب على باذله ومهديه، ولا نقيصة عليه، ولا يكون عودا في الهبة.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: ( إن لي خويصة ) هو بتشديد (الياء) تصغير خاصة مثل دابة ودويبة. وفيه حجة لمالك والكوفيين أن الصائم المتطوع لا ينبغي له أن يفطر بغير عذر ولا سبب يوجب الإفطار، وليس هذا الحديث بمعارض لإفطار أبي الدرداء حين زاره سلمان وامتنع منه إن لم يأكل معه، وهذه علة للفطر; لأن للضيف حقا كما قال - عليه السلام - .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن الصائم إذا دعي إلى طعام فليدع لأهله بالبركة ويؤنسهم بذلك ويسرهم . وفيه: الإخبار عن نعم الله على الإنسان، والإعلام بمواهبه، وأن لا تجحد نعمه، وبذلك أمر الجليل في كتابه حيث قال: وأما بنعمة ربك فحدث [الضحى: 11].

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 484 ] وفيه: أن تصغير اسم الرجل على معنى التعطف له والترحم عليه والمودة له، لا ينقصه ولا يحطه.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: رد الهدية كما سلف ويخص الطعام من ذلك; لأنه إذا لم يعلم الناس حاجة فحينئذ يحمد رده، وإذا علم منهم حاجة فلا يرده ويبذله لأهله كما فعل - عليه السلام - بأم سليم في غير هذا الحديث حين بعث هو وأبو طلحة أنسا إليها; لتعد الطعام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: التلطف بقولها: خادمك أنس .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: سؤال خير الدنيا والآخرة حيث قال: فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: الدعاء بكثرة الولد والمال .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن المال خير للمريد الكفاف، .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: التصغير بمعنى الاختصاص، وقد سلف

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: التأريخ بولاية الأمراء لقوله: (مقدم حجاج البصرة) وكانت ولاية الحجاج سنة خمس وسبعين ، وولد لأنس بعد ذلك وعاش ممن ولد له قبل قدومه وبعده، ومات سنة ثلاث وتسعين وهو آخر من توفي من الصحابة بالبصرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( بضع وعشرون ومائة )، قيل: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل: ما بين الواحد إلى التسع، وقيل: ما دون الخمسة، وقد سلف ذلك. وقول ابن اللباد : وظاهر ما في البخاري (لصلبي) خلافه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 485 ] وقوله: ( مقدم الحجاج ) تريد إلى مقدمه فكأنما عدت من دفن قبل قدومه، ويحتمل أن يكون عد في البخاري من مات له قبل مقدمه، وعد غيره من اجتمع له أحياء من ولده وولد ولده .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية