الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1882 [ ص: 486 ] 62 - باب: الصوم من آخر الشهر

                                                                                                                                                                                                                              1983 - حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا مهدي، عن غيلان. وحدثنا أبو النعمان، حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا غيلان بن جرير، عن مطرف، عن عمران بن حصين رضى الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أنه سأله -أو سأل رجلا وعمران يسمع- فقال: "يا أبا فلان، أما صمت سرر هذا الشهر؟ ". قال: أظنه قال: يعني رمضان -قال الرجل: لا يا رسول الله. قال: "فإذا أفطرت فصم يومين". لم يقل الصلت: أظنه يعني رمضان. قال أبو عبد الله: وقال ثابث، عن مطرف، عن عمران، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سرر شعبان". [ مسلم: 1161 - فتح: 4 \ 230]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عمران بن حصين، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأله -أو سأل رجلا وعمران يسمع- فقال: "يا أبا فلان، أما صمت سرر هذا الشهر؟ ". قال: أظنه قال: يعني رمضان - قال الرجل: لا يا رسول الله. قال: "فإذا أفطرت فصم يومين ". لم يقل الصلت: -وهو شيخ البخاري - أظنه يعني رمضان، وقال ثابث، عن مطرف، عن عمران، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من سرر شعبان ".

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبد الله: وشعبان أصح.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ: " هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ " يعني: شعبان. من طريقين عن مطرف، وهو الصواب .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( وقال ثابت ) أخرجه مسلم عن هداب بن خالد، ثنا حماد بن [ ص: 487 ] سلمة، عن ثابت ، وجه كونه صوابا أن رمضان يتعين صوم جميعه.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الحميدي في "جمعه" مقالة البخاري السالفة . وقال الخطابي : ذكر رمضان فيه وهم .

                                                                                                                                                                                                                              و ( سرر الشهر ) بفتح السين وضمها، وعن الفراء : أنه أجود -أعني: الفتح- وسراره بالفتح والكسر، وفيه ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: وهو قول أبي عبيد - لأنه آخر الشهر يستتر الهلال ، وبه قال عبد الملك بن حبيب : لثمان وعشرين ولتسع وعشرين، فإن كان تاما فليلة ثلاثين، وأنكره غيره وقال: لم يأت في صوم آخر الشهر حض.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: أنه وسطه، وسرار كل شيء وسطه وأفضله، كأنه يريد الأيام الغر من وسطه.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: وهو قول الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز : سرة الشهر أوله، وعن الأوزاعي أنه آخره، حكاهما الخطابي ، وحكاهما البيهقي عنه، وقال: الصحيح آخره ، ولم يعرف الأزهري سرة. وهو ثابت في مسلم من حديث عمران . وحديث البخاري دال للأول. وادعى ابن التين : أنه المشهور عند أهل اللغة. وحمل الحديث الخطابي على أن الرجل كان أوجبه على نفسه نذرا فأمره بالوفاء، أو كان اعتاده فأمره بالمحافظة عليه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 488 ] قال: وإنما تأولناه للنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين عقبه: قال غيره: وجهه لمن يتحراه من رمضان، وحمل هذا على صومه تطوعا لغير التحري.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: دليل على ابن سلمة في منعه صومه تطوعا، وعلى أصحاب داود حين منعوا صومه أصلا. وقيل: يحتمل أن يكون جرى هذا جوابا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكلام تقدمه لم ينقل إلينا وقيل: أمره به ليودعه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: " يا أبا فلان " فيه: جواز الكنية .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: " فإذا أفطرت " وقع في مسلم زيادة: "رمضان" . أي: منه حذفت، وهي مراده كقوله تعالى: واختار موسى قومه [الأعراف: 155] أي: من قومه، وقد جاء إثباتها في الدارمي . وأمره بصوم يومين حض على ملازمة عادة الخير ; لكي لا تقطع، ولئلا يمضي على المكلف مثل شعبان ولم يصم منه شيئا، فلما فاته صومه أمره بتداركه; ليحصل له أجره من الجنس الذي فوته على نفسه، ويظهر كما قال القرطبي : أنه لمزية شعبان، فلا يبعد أن يقال: إن صوم يوم منه كصوم يومين في غيره، ويشهد له كثرة صومه فيه أكثر من صيامه في غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الطبري : من اختار صيامها من آخر الشهر فلكفارة ذنبه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية