الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2904 3069 - حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان على فرس يوم لقي المسلمون، وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد، بعثه أبو بكر، فأخذه العدو، فلما هزم العدو رد خالد فرسه. [انظر: 3067 - فتح: 6 \ 182]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              قال ابن نمير: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ذهب فرس له، فأخذه العدو، فظهر عليه المسلمون، فرد عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبق عبد له فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              ثم أسنده من حديث نافع أن عبدا لابن عمر أبق فلحق بالروم، فظهر عليهم خالد بن الوليد، فرده على عبد الله، وأن فرسا لابن عمر عار، فظهر عليه، فرده على عبد الله.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 317 ] كان على فرس يوم لقي المسلمون، وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد، بعثه أبو بكر، فأخذه العدو، فلما هزم العدو رد خالد فرسه.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              التعليق أسنده أبو داود عن محمد بن سليمان الأنباري والحسن بن (على المعنى) قالا: حدثنا عبد الله بن نمير.

                                                                                                                                                                                                                              وفرس ابن عمر في هذا التعليق أنه رد عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفي الأخير المسند أن خالدا رده وصحح الداودي الأول، وأنه كان في غزاة مؤتة، قال: وعبيد الله أثبت في نافع من موسى. ولما روى الإسماعيلي حديث موسى قال فيه: يوم لقي المسلمون ظبيا وأسدا فاقتحم الفرس بعبد الله بن عمر جرفا فصرعه، وسقط عبد الله فعار الفرس فأخذه العدو، فلما هزم الله العدو رد خالد على عبد الله فرسه.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في الأموال التي يأخذها المشركون من المسلمين ثم يقهرهم المسلمون ويأخذونها منهم، ولهم حالان:

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما: أن يعلم بها قبل قسمتها، فإنها ترد إليه بغير شيء، وهو قول أكثر أهل العلم منهم: عمر بن الخطاب وعطاء والنخعي وسلمان بن ربيعة والليث ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي والكوفيون، وإحدى الروايتين عن أحمد. وقال الحسن والزهري : لا ترد إلى صاحبها قبل القسمة ولا بعدها وهي للجيش، ونحوه عن عمرو بن دينار، وروي مثله عن علي - فيما قال ابن المناصف -

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 318 ] وحكاه ابن التين عن الأوزاعي، ثم قال: وهذا قبل القسمة، فإن وجده بعدها فهو أحق به، وعن عمر: أن من بيده أحق ولا يأخذه عندنا إلا بالثمن، وقال الشافعي : بالقيمة من بيت المال، وعلتهم أن الكفار ملكوه باستيلائهم، فصار غنيمة كسائر أموالهم.

                                                                                                                                                                                                                              واستدل للجمهور بأحاديث الباب في الغلام والفرس وأنهما ردا عليه قبل القسمة، وروى عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه، فقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن أصبته قبل أن تقسم فهو لك، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة" رواه أبو داود من حديث الحسن بن عمارة عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو أحمد: هذا يعرف بالحسن عنه، وقد روى مسعر، عن عبد الملك، قال يحيى بن سعيد : سألت مسعرا عنه فقال: هو من حديث عبد الملك، ولكن لا أحفظه، قال يحيى عن البتي: والحسن متروك. وقال الطحاوي : قال علي بن المديني: روي عن يحيى بن سعيد أنه سأل مسعرا عنه فقال: هو من رواية عبد الملك، عن طاوس، عن ابن عباس قال: فأثبته عنه من حديثه فدل على أنه قد رواه عنه غير الحسن بن عمارة، فاستغني عن روايته لشهرته عن عبد الملك. قال ابن عدي: وروي أيضا من حديث مسلمة بن علي وابن عياش، وهما ضعيفان، وأخرجه الدارقطني من حديث إسحاق بن أبي فروة،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 319 ] عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه مرفوعا: "من وجد ماله في الفيء قبل أن يقسم فهو له، ومن وجده بعدما قسم فليس له بحق".

                                                                                                                                                                                                                              قال عبد الحق: أسنده ياسين الزيات، عن سماك، عن تميم، عن جابر بن سمرة، وياسين ضعيف عندهم.

                                                                                                                                                                                                                              الحال الثاني: أن يعلم به بعد القسمة، فإنه يأخذه بالقيمة، وهو قول عمر وعلي وزيد بن ثابت وابن المسيب وعطاء والقاسم وعروة وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك، أخذا بحديث ابن عباس السالف وبحديث جابر بن حيوة: أن أبا عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب في هذا فقال: من وجد ماله بعينه فهو أحق بالثمن الذي حسب على من أخذه. وكذلك إن بيع ثم قسم ثمنه، فهو أحق به بالثمن؛ ولأنه إنما امتنع من أخذه له بغير شيء كيلا يفضي إلى حرمان أخذه من الغنيمة أو يضع الثمن على المشتري، وحقهما ينجبر بالثمن، والمحكي عن أبي حنيفة أخذه بالقيمة، ويروى عن مجاهد مثله، والباقون يقولون: يأخذه بالثمن الذي حسب على من أخذه. وقال الشافعي : لا يملك أهل الحرب علينا بالغلبة. ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها بغير شيء، ويعطى مشتريه ثمنه من خمس المصالح محتجا بحديث عمران بن حصين: أغار المشركون على سرح المدينة وأخذوا العضباء وامرأة من المسلمين، فلما كان في الليل ركبتها وتوجهت قبل المدينة، ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة، فأتوا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته المرأة بنذرها، فقال: "بئس ما جزيتها، لا نذر فيما لا يملك ابن آدم، ولا نذر في [ ص: 320 ] معصية"، وزاد عبد الوهاب الثقفي قال: قال أبو داود السجستاني: فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فهذا دليل على أن أهل الحرب لا يملكون علينا بغلبة ولا غيرها، ولو ملكوا علينا لملكت المرأة الناقة كسائر أموالهم، لو أخذت شيئا منها، ولو ملكتها لصح فيها نذرها. وقال ابن القصار : حديث ابن عباس دال على أن أهل الحرب قد ملكوه على المسلمين وصارت لهم يد عليه، ألا ترى أنه لو كان باقيا على ملك مالكه، لم يختلف حكم وجوده قبل القسمة وبعدها، ويوضحه أن

                                                                                                                                                                                                                              الكافر إذا أتلفه ثم أسلم لم يتبع بقيمته بخلاف المسلم مع المسلم، ولما جاز أن يملك المسلم على الكافر بالقهر والغلبة، جاز أن يملك الكافر عليه بذلك، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "هل ترك لنا عقيل منزلا؟ "، وكان عقيل استولى على دور النبي - صلى الله عليه وسلم - وباعها، فلولا أن عقيلا ملكها بالغلبة وباعها لأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - بيعها ولم يجز تصرفه؛ لأن بيع ما لا يصح ملكه لا حكم له، وأما خبر الناقة والمرأة فلا حجة لهم فيه؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" إنما كان قبل أن تملك المرأة الناقة؛ لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب، وكل الناس تقول: إنه من أخذ شيئا من أهل الحرب فلم ينج به إلى دار الإسلام فإنه غير محرز له، ولا يقع عليه ملكه حتى يخرج به إلى دار الإسلام؛ فلهذا قال: "لا نذر... " إلى آخره، هذا وجه الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 321 ] وقال ابن القصار : ما أحرزه المشركون وخرج عن أيديهم إلى المسلمين، فإن لم يقع في المقاسم ولا حصل في يد إنسان بعوض فإنه يعود إلى ملك صاحبه، فالمرأة لما أخذت الناقة بغير عوض انتقل ملكها عن المشركين وحصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فأما إذا قسمت الغنائم وحصل الشيء في يد أحد حصلت له شبهة ملك عليه؛ لأجل أنه حصل له بعوض، وهو حقه من الغنائم؛ فلا يخرجه عن يده إلا بعوض؛ لأن الغانمين قد اقتسموا وتفرقوا، فإن أعطاه الإمام القيمة جاز، وإن لم يعطه لم يأخذه صاحبه إلا بعوض؛ لأن القسم حكم الإمام مع كون شبهة أيدي الكفار، فيصير للغانم بحكم الإمام.

                                                                                                                                                                                                                              واستدل الطحاوي بحديث الناقة، فإن المرأة لما أخذتها انتقل ملكها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث سفيان، عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة: أن رجلا أصاب العدو له بعيرا، فاشتراه رجل منهم فجاء به فعرفه صاحبه، فخاصمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "فإن شئت أعطيت ثمنه الذي اشتراه به وهو لك، وإلا فهو له" فهذا وجه الحكم في الباب من طريق الآثار.

                                                                                                                                                                                                                              وأما من طريق النظر فرأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم في مشتري البعير من أهل الحرب أن لصاحبه أن يأخذه منه بالثمن، وكان قد ملكه المشتري من الحربيين، كما يملك الذي يقع في سهمه من الغنيمة ما يقع في سهمه منها، فالنظر على ذلك أن يكون الإمام إذا قسم الغنيمة فوقع منها في يد رجل شيء وإن كان أسر ذلك من يد آخر، أن يكون المأسور من يده

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 322 ] كذلك أن يكون له أخذ ما كان أسر من يده من الذي وقع في سهمه بقيمته كما يأخذ من يد مشتريه بثمنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أن فرسا لابن عمر عار) هو بالعين المهملة، أي: انفلت من صاحبه، يعير.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (ظهر عليه): غلب عليه، وقال البخاري - كما نقله ابن التين والدمياطي - : عار مشتق من العير وهو: حمار وحش، أي: هرب. يريد أنه فعل فعله في النفار.

                                                                                                                                                                                                                              وقال "صاحب العين": عار الفرس والكلب وغير ذلك عيارا: أفلت وذهب في الناس.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن دريد في "جمهرته": عار الفرس تعيرا: إذا انطلق من مربطه فذهب على وجهه، وكذلك البعير. وقال الطبري : يقال ذلك في الفرس إذا فعله مرة بعد أخرى، ومنه قيل للبطال من الرجال: الذي لا يثبت على طريقة: عيار، ومنه الشاة العائرة، وسهم عائر: لا يدرى من أين أتى، ولما ذكر ابن التين أنه لا يأخذه عندنا إلا بالثمن، قال: دليلنا أن العبد لا يدفع إلى بيت المال وإنما يرد إلى سيده، فيجب أن تكون القيمة على أخذه أو يكون استحقاقه تاما، فلا تجب فيه القيمة على أحد.

                                                                                                                                                                                                                              ثم نقل عن مالك كما أسلفنا أن من أسلم على شيء في أيديهم للمسلمين ملكه. وقال الشافعي : لا يملكون إلا بما يملك به المسلمون،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 323 ] وناقض فقال: إذا استهلكه الحربي ثم أسلم لم يغرمه. وقال أبو حنيفة : إن غنموه في دار الإسلام فلا يملكونه حتى يخرجوه إلى دار الحرب، ومالك لم يفرق، ثم قال: إن الشافعي استدل بقوله: وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم [الأحزاب: 27] الآية... فجعل ذلك منة علينا فانتفى معه أن يملكوا أموالنا.

                                                                                                                                                                                                                              وأجيب: بأنه ورد في خبر مخصوص ولم يرد به أنه لا يصيب المسلمين من الكفار جائحة، ألا ترى قوله تعالى: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم [الحشر: 8] فسماهم فقراء لأخذ الكفار أموالهم، وإذا كان كذلك لم يكن في هذه الآية دلالة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية