الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3803 4027 - حدثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير قال: ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم. [فتح: 7 \ 324]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه ثلاثين حديثا:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: حدثني خليفة، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس قال مات أبو زيد ولم يترك عقبا، وكان بدريا.

                                                                                                                                                                                                                              خليفة هذا هو ابن خياط بن خليفة بن خياط أبو عمرو الحافظ العصفري البصري الملقب بشباب، صدوق.

                                                                                                                                                                                                                              أخرجوا له مع البخاري، مات سنة أربعين ومائتين، وقيل: سنة ست وأربعين، ومحمد بن عبد الله هو ابن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك أبو المثنى وقيل: أبو عبد الله البصري القاضي بالبصرة، الثقة، الصدوق، ولد مع ابن المبارك سنة ثماني عشرة ومائة، ومات سنة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 85 ] أربع عشرة، وقيل: خمس عشرة ومائتين، أخرجوا له، وأبو زيد لعله قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، كما ساقه ابن سعد، قال: ويكنى أبا زيد، ويذكرون أنه ممن جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان له من الولد زيد وإسحاق وخولة، وأمهم أم خولة بنت سفيان بن قيس بن زعوراء، وشهد قيس بن السكن بدرا وأحدا، والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتل يوم جسر أبي عبيد شهيدا سنة خمس عشرة، وليس له عقب ، كما ذكر أنس أيضا، وهو الذي قال فيه أنس في موضع آخر: أحد عمومتي.

                                                                                                                                                                                                                              وبخط الدمياطي بعد هذا وأبو زيد ثابت بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج من ولده أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد النحوي البصري، أحد الستة الذين جمعوا القرآن، وذلك في خلافة عمر، شهد أحدا.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "معجم الصحابة" للذهبي: أبو زيد أوس، وقيل: معاذ الأنصاري الذي جمع القرآن، وقال ابن معين: اسمه ثابت بن زيد، ثم قال: أبو زيد سعد بن عبيد يقال: هو الذي جمع، وهو من الأوس، وهو والد عمير، استشهد بالقادسية. قال: وقيل: هو قيس بن السكن، ثم قال: أبو زيد قيس بن السكن بن قيس الخزرجي النجاري

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 86 ] مشهور بكنيته شهد بدرا، وهو الذي جمع القرآن، وقال ابن التين: أبو زيد هذا أحد أعمام زيد بن ثابت، وهو أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              قال: والعقب: الولد وولد الولد قال ابن فارس: ويقال: بل الورثة كلهم عقب ، قال: والأول أصح.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن خباب -وهو عبد الله بن خباب، أخو مسلم بن خباب، مولى بني عدي بن النجار، وقيل: مولى فاطمة بنت عتبة- أن أبا سعيد ابن مالك الخدري قدم من سفر، فقدم إليه أهله لحما من لحوم الأضاحي، فقال: ما أنا بآكله حتى أسأل فانطلق إلى أخيه لأمه -وكان بدريا- قتادة بن النعمان فسأله، فقال: إنه حدث بعدك أمر نقض، لما كانوا ينهون عنه من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: هو حديث: "إنما نهيتكم من أجل الفاقة التي دبت فيكم، فكلوا وتصدقوا وادخروا" ومذهب علي أن الأمر باق لم ينسخ، ولعله لم يبلغه الناسخ .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيد بن سعيد بن العاصي وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وهو يكنى أبا ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش. فحملت عليه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 87 ] بالعنزة، فطعنته في عينه فمات. قال هشام: فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطأت، وكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفاها. قال عروة: فسأله إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه، ثم أخذها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلما قتل وقعت عند آل علي، فطلبها عبد الله بن الزبير، فكانت عنده حتى قتل.

                                                                                                                                                                                                                              (العنزة): بفتح النون: كالحربة كما قاله الداودي، وقال ابن فارس: هي شبه العكازة ، وقد سلف إيضاحها في الطهارة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: توارثها الخلفاء وأن آل علي لم يرغبوا عن ابن الزبير، ومدجج: بجيمين وكسر الجيم الأولى، وفتحها، قال صاحب "المنتقى" تدجج في شكته تدجج أي: تغطى السلاح فلا يظهر منه شيء فهو مدجج بفتح الجيم وكسرها أي: شاك السلاح تامه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم تمطأت) قال الدمياطي: المعروف تمطيت.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت -وكان شهد بدرا- قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بايعوني".

                                                                                                                                                                                                                              قلت: هذا عقبي بدري أنصاري شجري نقيب من القواقل أيضا سموا بذلك; لأنهم كانوا في الجاهلية إذا نزل بهم الضيف قالوا قوقل حيث شئت، يريدون اذهب حيث شئت، وقدر ما شئت فإن لك الأمان; لأنك في ذمتي. نبه عليه ابن حبان .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 88 ] الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن أبا حذيفة - وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبنى سالما، وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة -وهو مولى لامرأة من الأنصار- كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورثه من ميراثه، حتى أنزل الله تعالى: ادعوهم لآبائهم [الأحزاب:5] فجاءت سهلة النبي - صلى الله عليه وسلم -. فذكر الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              ويأتي إن شاء الله في النكاح ، وكذا رواه أبو داود والنسائي، وقال: هند بنت الوليد، وكذا سماها الزبير وخالفه مالك، فيما خرجه في "موطئه " من طريق الزهري أيضا، عن عروة، عن عائشة، وسماها فاطمة بنت الوليد . وكذا قاله أبو عمر تقليدا لمالك. ولم يذكر ابن سعد ولا أبو عمر في الصحابة هند بنت الوليد، ولم يذكر ابن سعد مرة فاطمة بنت الوليد، بل ذكر عمتها فاطمة بنت عتبة، وأنها التي تزوج بها سالم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الدمياطي: ولا أظنه صحيحا، وقد ذكر ابن منده في "الصحابة" عن أبي بكر بن الحارث عن فاطمة بنت الوليد أنها كانت بالشام تلبس الثياب من ثياب الخز، ثم تأتزر، فقيل لها: أما يغنيك عن الإزار، فقالت: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالإزار، وخالف ابن سعد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 89 ] قوله في ترجمة سالم فذكر أنها فاطمة بنت الوليد بسند غير طريق مالك ، وفي "معجم الذهبي": فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة زوج سالم مولى أبي حذيفة من المهاجرات، تزوجها بعد سالم الحارث بن هشام فيما زعم ابن إسحاق الفروي -وليس بشيء- ثم قال: فاطمة بنت الوليد المخزومية أخت خالد بايعت يوم الفتح، وهي زوج ابن عمها الحارث بن هشام .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السادس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث الربيع بنت معوذ قالت: دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائي يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين".

                                                                                                                                                                                                                              الندب: أن تدعو النادبة الميت بأحسن الثناء عليه، والدف: ما يلعب به، مفتوح الدال ومضمومها.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عباس: أخبرني أبو طلحة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان قد شهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة". يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (يريد) فهو من قول ابن عباس، كما قاله القابسي، وجزم به

                                                                                                                                                                                                                              ابن التين، ثم قال: وقيل: يريد كل صورة إلا ما كان رقما في ثوب. قاله

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 90 ] أبو سلمة، وقال مالك: هو أخف بما خرط خرطا وترك الجميع أحب إلي، قيل: المراد بالملائكة: غير الحفظة، وقيل: يدخله غيرها إلا أن دخولهم فيه أقل من دخولهم ما لا صورة فيه.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن:

                                                                                                                                                                                                                              حديث علي في جب الشارف بطوله، سلف في البيع، وقوله: (اجتب)، وفي رواية: أجبت، والوجه: جبت. قال ابن التين: كذا صوابه. وقوله: (في شرب) هو جمع شارب كتاجر وتجر.

                                                                                                                                                                                                                              و (النواء): السمان جمع ناوية، أي: سمينا وثمل: سكران.

                                                                                                                                                                                                                              و (القهقرى): الرجوع إلى وراء. قال ابن ولاد تكتب بالياء لأنها مقصورة .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث التاسع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن معقل -بالعين والقاف- أن عليا كبر ستا على سهل بن حنيف فقال: إنه شهد بدرا، معنى (كبر على سهل) أي: كبر على جنازته.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف الكلام على عدد التكبير في بابه.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث العاشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سالم عن أبيه، عن جده عمر رضي الله عنهما حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي -وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بدرا توفي بالمدينة، فعرضها على عثمان، ثم الصديق، ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث بطوله، وسيأتي في النكاح.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (تأيمت): صارت لا بعل لها، وخنيس -بالخاء المعجمة-

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 91 ] أخو عبد الله بدري له هجرتان وأصابه بأحد جراحة فمات منها، وفي الصحابة خنيس ثلاثة سواه، مخفف.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الحادي عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي مسعود البدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نفقة الرجل على أهله صدقة".

                                                                                                                                                                                                                              ذكره لأبي مسعود واسمه عقبة بن عمرو كما سيأتي ذلك على أنه شهد بدرا، وبه صرح في روايته بعد أيضا، وذكره في البدريين أيضا، وفيه: خلاف، قيل: إنه شهدها. وقيل: نزلها. قال ابن عبد البر: ذهب طوائف من العلماء إلى الأول ولا يصح ، وقال الحاكم أبو أحمد والطبراني: يقال ذلك ، وقال البغوي: حدثني عمي ثنا أبو عبيد قال: إنه شهدها، وقال البرقي: لم يذكره ابن إسحاق فيهم وفي غير حديث أنه شهدها، وفي "الكمال" عن ابن إسحاق شهدها، وقال مسلم في "كناه" والكلبي: شهدها، وأما الواقدي: فقال: لا. ولا اختلاف بين أصحابنا فيه، ويقول الكوفيون في روايتهم: أبو مسعود البدري، وليس ذلك يثبت.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث الزهري، سمعت عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز في إمارته: أخر المغيرة بن شعبة العصر وهو أمير الكوفة، فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن -شهد بدرا- فذكر حديث المواقيت وقد سلف في الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 92 ] والإمارة: بكسر الهمزة الولاية، وزيد بن حسن هو ابن علي بن أبي طالب، أمه أم بشير بنت أبي مسعود، تزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فولدت له، ثم خلف عليها الحسن بن علي بن أبي طالب فولدت له زيدا، ثم خلف عليها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي فولدت له عمرا.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الرحمن بن يزيد، عن علقمة، عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه". قال عبد الرحمن: فلقيت أبا مسعود وهو يطوف بالبيت، فسألته، فحدثنيه.

                                                                                                                                                                                                                              ويأتي في التفسير، أيضا والآيتان هما آمن الرسول إلى آخره، قيل: أقل ما يكفي في قيام الليل آيتان; لهذا الحديث. يريد مع أم القرآن، وقيل: أقله ثلاث; لأنه ليس سورة أقل من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فسألته) فيه: الحديث في الطواف، وتعليم العلم والسؤال عنه وما خف من الحديث فهو جائز فيه.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عتبان بن مالك - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن شهد بدرا من الأنصار- أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث ساقه في باب صلاة النوافل جماعة، بطوله .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 93 ] قال البخاري: وحدثنا أحمد -هو ابن صالح المصري- بإسناده إلى الزهري ثم سألت الحضري وهو أحد بني سالم، وهو من سراتهم عن حديث محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك فصدقه.

                                                                                                                                                                                                                              والسراة: الخيار، ومحمود بن الربيع هو ابن سراقة أنصاري خزرجي له رؤية، مات سنة تسع وتسعين عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم الخزرجي السالمي بدري، توفي زمن معاوية، وله رواية.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث الزهري: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة -وكان من أكبر بني عدي، وكان أبوه شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، وكان شهد بدرا، وهو خال عبد الله بن عمر وحفصة.

                                                                                                                                                                                                                              عبد الله بن عامر بن ربيعة هو ابن مالك بن عامر بن ربيعة بن حجر بن سلامان بن مالك بن رفيدة بن عنز، أخي بكر وتغلب بني وائل بن قاسط بن أفصى حالف عامر الخطاب بن نفيل ثم تبناه، وأسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين جميعا معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية، وشهد بدرا وما بعدها، ومات قبل قتل عثمان بأيام، ولابنه صحبة أيضا، وهو الأخ الأكبر، أما الأصغر عبد الله بن عامر بن ربيعة، ولد سنة ست من الهجرة، ومات

                                                                                                                                                                                                                              سنة خمسين قاله الذهبي ، وقال الدمياطي: سنة أربع وخمسين. وقيل: سنة تسع وثمانين. وقيل سنة خمس.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 94 ] وقدامة أخو عثمان وعبد الله والسائب بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، شهدوا بدرا إلا السائب، وخالف الكلبي في السائب فقال: شهدها .

                                                                                                                                                                                                                              وزينب بنت مظعون زوج عمر أم عبد الله وحفصة، وقتيلة بنت مظعون (أخت) حطاب وحاطب ابني الحارث بن معمر بن حبيب، وكانت صفية بنت الخطاب عند قدامة; لأنه شرب الخمر، وتأول قوله تعالى: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا فجلده الحد عمر، ولم يحد أحدا من أهل بدر إلا قدامة، وغاضب عمر، وقال عمر: ما وليت أحدا لي فيه سواء إلا قدامة، فلم يبارك لي فيه يريد لأنه صهره فخلى فرأى عمر في منامه أنه قيل له: صالح قدامة فإنه أخوك فاستيقظ فقال: علي به فأتي فأخبر، فقال عروة: فأتي به فجعل عمر يستغفر له فاصطلحا .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السادس عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث الزهري، عن سالم: أخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر، أن عميه -وكانا شهدا بدرا- أخبراه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء المزارع. قلت لسالم: أتكريها أنت؟ قال: نعم، إن رافعا أكثر على نفسه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 95 ] هذا الحديث تقدم أصله في المزارعة، وأن النهي إنما هو عن بعض ما يخرج منها. وعماه ظهير ومظهر ابنا رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة كما نبه عليه الدمياطي، ولم يشهدا بدرا إنما شهدا أحدا وشهد ظهير العقبة الثانية.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وقتل ظهير بخيبر زمن عمر قتله غلمان له، فأجلى عمر أهل خيبر من أجل ذاك; لأنه كان بأمرهم.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الله بن شداد بن الهادي الليثي قال: رأيت رفاعة بن رافع الأنصاري، وكان شهد بدرا.

                                                                                                                                                                                                                              قد سلف الكلام على جماعه في الباب قبل هذا.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عمرو بن عوف -وهو حليف لبني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقدوم مال البحرين سلف في باب: فداء المشركين . وعمرو هذا أنصاري أيضا كذا هو هنا عمرو، وكذا هو عند ابن إسحاق، وسماه موسى بن عقبة وأبو معشر والواقدي عمير بن عوف بالتصغير، وكذا سماه ابن سعد، وقال: إنه مولى سهيل بن عمرو ويكنى أبا عمرو، كان من مولدي مكة، نزل على كلثوم بن الهدم لما هاجر، وشهد مع بدر أحدا والخندق، والمشاهد كلها، مات في خلافة عمر بن الخطاب وصلى عليه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 96 ] الحديث التاسع عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقتل الحيات كلها، حتى حدثه أبو لبابة البدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل جنان البيوت، فأمسك عنها.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في دار ذكر الجن، وسلف ذكر أبي لبابة واضحا مع إخوته، واسمه بشير بن عبد المنذر، وكان قارف ذنبا وربط نفسه بسلسلة، وأقام تسعة عشر يوما لا يأكل، فإذا كان وقت الصلاة أتته ابنته فحلته فيتوضأ، ثم تربطه، وحلف لا يحله أحد حتى يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يحله فتاب الله عليه، وحله النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث العشرون:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه. قال: "والله لا تدعون منه درهما".

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الجهاد في باب: فداء المشركين .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الحادي بعد العشرين:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن عمرو الكندي -وكان حليفا لبني زهرة، وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أخبره أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار ..

                                                                                                                                                                                                                              الحديث كذا هنا المقداد بن عمرو.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 97 ] وكذا ذكره بعد في تسمية من شهد بدرا، وكنيته أبو معبد، وذكر في الطهارة المقداد بن الأسود ، والصحيح ما هنا، والأسود إنما رباه فنسب إليه وتبناه، ويقال: كان في حجره، ويقال: كان عبدا حبشيا فتبناه، ولا تصح عبوديته. قال ابن حبان: وكان أبوه عمرو حالف كندة فنسب إليها ، وهو من بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، أصاب أبوه دما في قومه فهرب إلى كندة مخالفهم، ثم أصاب فيهم دما فهرب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، فتبناه الأسود، ومات في خلافة عثمان.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (لاذ مني بشجرة) تحيل في الفرار مني بها، ومنه قوله تعالى: يتسللون منكم لواذا [النور:63] إلا أن لواذا مصدر لاوذ ومصدر لاذ لياذا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (قطع إحدى يدي، ثم أسلم فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال").

                                                                                                                                                                                                                              معنى "فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله" أي: مسلم مثلك محظور الدم، جب الإسلام عنه قطع يدك، وكذلك لو كان قبل لجب إسلامه ذلك عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("وإنك بمنزلته" إلى آخره، فيه تأويلات:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: أن دمك صار مباحا بقتلك إياه بالقصاص بمنزلة دم الكافر بحق الدين، ولم يرد إلحاقه بالكفر قاله الخطابي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 98 ] وقال الداودي: يكون آثما كما كان هو آثم في كفره فجمعكما اسم الإثم، ويبين ذلك حديث أسامة. وقال عبد الملك أي: أنت عنده حلال الدم قبل أن يسلم كما أنه عندك حلال الدم. وقالت الخوارج، ومن يكفر المسلم بالكبيرة أي: يكون كافرا، ويبعده على قولهم أنه متأول في قتله أنه أسلم مكرها، وقيل: أراد قتله مستحلا.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني بعد العشرين:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس في قتل أبي جهل ضربه ابنا عفراء فقال: أنت أبا جهل .. الحديث، أي: أنت المقتول الذليل يا أبا جهل على جهة التقريع والتوبيخ، وإظهار التشفي.

                                                                                                                                                                                                                              أو قوله: (وهل فوق رجل قتلتموه).

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني.

                                                                                                                                                                                                                              يريد أنهم يريدون قتله، وتعاونوا عليه، وإن لم يتولوا ذلك; لأنه إنما قتله ابنا عفراء وهم أنصار عمال أنفسهم ولذلك قال: فلو غير أكار قتلني لتسليت بقتل رجل وجيه ولا تسلية في النار وإنما سمى القاتل أكارا; لأنه يعمل الأكرة، وهي الحفرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فلو غير أكار قتلني) تقديره لو قتلني غير أكار; لأن (لو) لا يأتي بعدها إلا الفعل، ولا يأتي الاسم.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث بعد العشرين:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن عمر - رضي الله عنه - قال: لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار. فلقينا منهم رجلان صالحان شهدا بدرا، فحدثت عروة بن الزبير، فقال: هما عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 99 ] عويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وأصله من بلي عقبي بدري كبير، وليس في الصحابة عويم بن ساعدة سواه. ومعن بن عدي هو ابن الجد بن العجلان أخو عاصم بن عدي بلوي حليف بني عمرو بن عوف عقبي بدري مشهور، قتل باليمامة. وبنو العجلان من بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة حلفاء بني عمرو بن عوف من الأنصار.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع بعد العشرين:

                                                                                                                                                                                                                              حديث قيس قال: كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف. وقال عمر - رضي الله عنه -: لافضلنهم على من بعدهم.

                                                                                                                                                                                                                              فيه فضل ظاهر لهم.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس بعد العشرين:

                                                                                                                                                                                                                              حديث الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي. وهذا الحديث سلف في الصلاة والجهاد ، ومعنى: وقر: ثبت، ومنه: وقرن في بيوتكن أي: اجلسن على أحد الأقوال فيه.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السادس بعد العشرين:

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: وعن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أسارى بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 100 ] هذا الحديث سلف في الخمس ، واليد التي كانت للمطعم قيامه في نقض الصحيفة ودخول النبي - صلى الله عليه وسلم - في جواره.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع بعد العشرين:

                                                                                                                                                                                                                              وقال الليث، عن يحيى، عن سعيد بن المسيب وقعت الفتنة الأولى -يعني: مقتل عثمان- فلم تبق من أهل بدر أحدا، ثم وقعت الفتنة الثانية -يعني: الحرة- فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدا، ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع وللناس طباخ.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (يعني: مقتل عثمان) إلى آخره نسب إلى الوهم، يوضحه أن عليا والزبير وطلحة وسعدا وسعيدا وغيرهم - رضي الله عنهم - كثيرا عاشوا بعد ذلك إلى صفين، بل ذكر أبو العباس بن عقدة أن نيفا وسبعين رجلا شهدوها من البدريين مع اختلاف فيه لا جرم.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: عنى بالفتنة الأولى مقتل الحسين - رضي الله عنه -، والثالثة الفتنة التي كانت بالعراق مع الأزارقة وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين: الثانية يحتمل أن تكون يوم خرج بالمدينة أبو حمزة الخارجي; لأن يحيى بن سعيد قال: لم نترك الصلاة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ كان الرسول إلا ثلاثة أيام: لما قتل عثمان، ويوم الحرة قال مالك: ونسيت الثالثة. قال: محمد بن عبد الحكم هو يوم خرج بها أبو حمزة الخارجي. قال مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة ممن حمل القرآن. قال أبو القاسم: أشك أن فيهم أربعة من الصحابة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (طباخ) أصل الطباخ القوة والسمن كما قاله الخليل ، وهو

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 101 ] بفتح الطاء، وتخفيف الباء، ثم استعمل في العقل والخير، فقيل: فلان لا طباخ له ولا عقل ولا خير قال حسان:


                                                                                                                                                                                                                              المال يغشى رجالا لا طباخ لهم كالسيل يغشى أصول الدندن البالي



                                                                                                                                                                                                                              الدندن: بكسر الدالين وبالنون وهو ما اسود من النبات لقدمه، وعبارة الخطابي هو بخاء معجمة مخفف من لا عقل له ، وعبارة "الصحاح": رجل ليس به طباخ -أي: قوة ولا سمن- ثم ذكر البيت المذكور .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع) قال الدمياطي: المعروف: ولو وقعت الثالثة لم ترتفع إلى آخره كما رواه ابن أبي خيثمة: حدثنا نصر بن المغيرة البخاري، ثنا سفيان، عن يحيى -يعني ابن سعيد- قال: سمعت سعيدا يقول: وقعت فتنة النار فلم تبق من أهل بدر أحدا ووقعت فتنة الحرة فلم تبق من أهل الحديبية أحدا، ولو وقعت فتنة فلم ترتفع وللناس طباخ.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن بعد العشرين: حديث الإفك:

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: تعيين مسطح، وأنكر، لأنه شهد بدرا، وقد سلف بطوله في باب: تعديل النساء ، ويأتي في تبوك ، وفي إسناده عبد الله بن عمر بن عاصم النميري الرعيني قاضي إفريقية، انفرد به البخاري، وهو مستقيم الحديث، مات سنة تسعين ومائة، وولد سنة ثمان وعشرين ومائة، نقله الدمياطي عن أبي علي في "المعرب".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 102 ] الحديث التاسع بعد العشرين:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن شهاب قال: هذه مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الحديث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو يلقيهم:"هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا"؟ قال موسى: قال نافع: قال عبد الله: قال ناس من أصحابه: يا رسول الله، تنادي ناسا أمواتا؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنتم بأسمع لما قلت منهم".

                                                                                                                                                                                                                              فجميع من شهد بدرا من قريش ممن ضرب له بسهمه وأجره أحد وثمانون رجلا، فكان عروة بن الزبير يقول: قال الزبير: قسمت سهمانهم فكانوا مائة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق عن معمر، عن هشام، عن أبيه، عن الزبير قال: ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم.

                                                                                                                                                                                                                              سلف قريبا ما قسم فيهم مع الجواب عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقول الزبير: قسمت سهمانهم يريد المهاجرين، وقوله: فكانوا مائة قال الداودي: الله أعلم. هل هو من كلام الزبير فدخله بعض الشك لطول الزمان أو من قول الراوي عنه، وإنما كانوا أربعة وثمانين وكانت معهم ثلاثة أفراس فأسهم لها بسهمين، سهمين وضرب - صلى الله عليه وسلم - لرجال كان بعثهم في بعض أمره بسهامهم مع أهل بدر وبشرهم نيل أجورهم، وكانوا في عدادهم، ولعل قول الزبير يصح على أن من غاب عن شهود بدر، وضرب له بسهمه مثل عثمان بن عفان هم تمام المائة ممن شهدها.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية