الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4082 [ ص: 477 ] 4337 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن معاذ، حدثنا ابن عون، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومن الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده، فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه، فقال: " يا معشر الأنصار". قالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك. ثم التفت عن يساره، فقال: "يا معشر الأنصار". قالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك. وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: "أنا عبد الله ورسوله".فانهزم المشركون، فأصاب يومئذ غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا، فقالت الأنصار: إذا كانت شديدة فنحن ندعى، ويعطى الغنيمة غيرنا. فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة، فقال: "يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم؟ ". فسكتوا فقال: "يا معشر الأنصار، ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحوزونه إلى بيوتكم؟ ". قالوا: بلى. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار". فقال هشام: يا أبا حمزة، وأنت شاهد ذاك؟ قال: وأين أغيب عنه؟! [انظر: 3146- مسلم: 1059 - فتح: 8 \ 53]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هو كما قال، قال ابن سعد: قالوا: لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه، وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحش النار في وجهه ويحرقه ويقول:


                                                                                                                                                                                                                              يا ذا الكفين لست من عبادكا

                                                                                                                                                                                                                              ميلادنا أكبر من ميلادكا

                                                                                                                                                                                                                              أنا (حشوت) النار في فؤادكا



                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 478 ] قال: فانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام . وسمي الطائف; لأن الدمون ابن عبيد -كما قال هشام في "بلدانه" أو ابن الصدف كما قال البكري لما قتل ابن عمه عمر بحضرموت وأقبل هاربا إلى وج وأتى مسعود بن معتب الثقفي، وكان تاجرا ذا مال، فقال: أحالفكم لتزوجوني وأزوجكم وأبني عليكم طوفا مثل الحائط لا يصل إليكم أحد من العرب، فبنى بذلك المال طوفا عليهم فسميت به الطائف .

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعضهم -فيما حكاه السهيلي-: سميت بذلك لأن الجنة التي في قوله تعالى: فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون [القلم: 19]. هي الطائف، اقتلعها جبريل من موضعها فأصبحت كالصريم وهو الليل، أصبح موضعها كذلك، ثم سار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف اليوم، فسميت باسم الطائف التي طاف عليها وبها، وكانت بقرب صنعاء ومن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حولها من الأرضين، وكانت هذه الجنة بعد عيسى - عليه السلام - بيسير .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 479 ] وذكر البخاري في الباب أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث زينب ابنة أبي سلمة، عن أمها أم سلمة: دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي مخنث، فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أمية: يا عبد الله، أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخلن هؤلاء عليكم". قال ابن عيينة: وقال ابن جريج: المخنث: هيت. وفي لفظ: وهو محاصر الطائف يومئذ.

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              المخنث: بكسر النون أفصح، وإن كان الأشهر الفتح، وهو الذي خلقه خلق النساء في حركاته وهيئاته وكلامه ونحو ذلك. ثم من يكون ذلك خلق فيه فلا ذم عليه ومن تكلفه فهو المذموم، سمي مخنثا لانكسار كلامه ولينه. يقال: خنثت الشيء إذا عطفته.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              ابنة غيلان اسمها بادية -بمثناة تحت قبل الهاء- وقيل: بالنون.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو نعيم : أسلمت وسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاستحاضة، بنت غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي هو ثقيف. وأم غيلان: سبيعة بنت عبد شمس، أسلم يوم فتح الطائف ولم يهاجر، وكان عنده عشر نسوة فأمره - عليه السلام - أن يتخير منهن أربعا، وكان غيلان أحد وجوه ثقيف ومقدميهم، وفد على كسرى فقال له: أي ولدك أحب إليك، فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 480 ] يبرأ والغائب حتى يئوب فقال كسرى: مالك ولهذا الكلام؟ هذا كلام الحكماء، وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم. فما غذاؤك؟ قال: خبز البر، قال: هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر!

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: قاله لهوذة بن علي -والصحيح الأول كما نبه عليه السهيلي - وكان شاعرا محسنا، توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب، وهو أحد من قال: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وكان أيضا أبيض طوالا جعدا ضخما جميلا.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              (هيت) بكسر الهاء، وروي بخط بعضهم فتحها ثم مثناة تحت ثم مثناة فوق. قال ابن درستويه: صوابه بنون ثم باء موحدة، قال: وما سواه تصحيف، قال: والهنب: الأحمق، وقيل: اسمه ماتع -بالتاء المثناة فوق- وهو ما ذكره أبو موسى المديني في "الصحابة"، حيث قال: اسم هيت: ماتع. وجاء في حديث أنه غربه مع هنب إلى الحمى، وقال الداودي: إلى روضة خاخ، وقيل: إنه بألف ثم نون مشددة ثم هاء، كان بالمدينة، وهي إلى حمراء الأسد، وفي الطبراني من حديث واثلة أنه - صلى الله عليه وسلم - أخرج أنجشة، وأخرج عمر فلانا . وكانوا هؤلاء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيهم لين في القول وخضابة في الأيدي والأرجل ولا يرمون بفاحشة، وربما لعب بعضهم بالكرج .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 481 ] وفي "مراسيل أبي داود" أن عمر - رضي الله عنه - رأى لاعبا بالكرج، فقال: لولا أني رأيت هذا يلعب به على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفيته من المدينة .

                                                                                                                                                                                                                              وبالمدينة آخر اسمه: هدم، بكسر الهاء ثم دال مهملة ساكنة.

                                                                                                                                                                                                                              وعند أبي موسى: نفى أبو بكر ماتعا إلى فدك، وليس بها يومئذ أحد من المسلمين، وظاهر تعدد المكان المنفي إليه اختلاف الواقعة.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              (هيت) مولى عبد الله بن أبي أمية المذكور معه في هذا الحديث، وعبد الله هذا أخو أم سلمة.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (تقبل بأربع وتدبر بثمان) إنما قال: (بثمان) ولم يقل: بثمانية; لأنه أراد الأطراف وهي مذكرة، وأراد العكن واحدتها: عكنة، وهي مؤنثة، وهو من التأنيث المعنوي ولذلك قال أربع، ولم يقل: أربعة على تأنيث العدد. قال ابن حبيب عن مالك: معناه أن أعكانها وهي تراكب اللحم في البطن حتى ينعطف بعضها على بعض فهي في بطنها أربع طوابق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتيها في كل جانب أربع.

                                                                                                                                                                                                                              ولابن الكلبي أنه قال بعد (وتدبر بثمان): مع ثغر كالأقحوان إن قعدت تبنت، وإن تكلمت تغنت. وفي لفظ: فإذا اضطجعت تمنت وإذا قامت ارتجت، هيفاء شموع نجلاء مع ثغر كأنه الأقحوان وتقبل بأربع وتدبر بثمان. ثم ذكر شعرا بين رجليها مثل الإناء المكفوف.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 482 ] ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع فقال: "لقد (غلغلت) في النظر إليها يا عبد الله" ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى، فلما فتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له (بريهة) ، ولما قبض - صلى الله عليه وسلم - أبى أن يرده الصديق، فلما ولي عمر قيل: إنه قد ضعف وكبر فاحتاج، فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل الناس ويرجع إلى مكانه .

                                                                                                                                                                                                                              خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أصل في نفي كل من يتأذى به. وفي "صحيح ابن حبان" عن عائشة رضي الله عنها: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهيت ينعت امرأة من يهود، فأخرجه - صلى الله عليه وسلم -، فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم . وفي "صحيح مسلم": كان يدخل على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال، قال: فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة. وفيه: "ألا أرى هذا يعرف ما ههنا، لا يدخلن عليكم" قال: فحجبه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ عند أبي موسى: لا يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يفطن لشيء من أمر النساء مما يفطن له الرجال، ويرى أنه له في ذلك إربة. وفيه: "ألا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع منه".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 483 ] وفي "مسند سعد بن أبي وقاص" أنه خطب امرأة بمكة وهو مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ليس عندي من يراها ولا من يخبرني عنها، فقال هيت: أنا أنعتها: إذا أقبلت أقبلت بست وإذا أدبرت أدبرت بأربع. وكان يدخل على سودة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أراه إلا منكرا" فمنعه ولما قدم المدينة نفاه .

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي داود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخنث قد خضب يديه ورجليه، فقيل: يا رسول الله، هذا يتشبه بالنساء فنفاه إلى (النقيع) ، فقيل: ألا تقتله؟ فقال: "إني نهيت عن قتل المصلين" .

                                                                                                                                                                                                                              سادسها:

                                                                                                                                                                                                                              غير أولي الإربة في الآية: هو المخنث الذي لا يقوم (له) كما ذكره عكرمة ، وقيل: الشيخ الهرم والخنثى والمعتوه والطفل والعنين.

                                                                                                                                                                                                                              سابعها:

                                                                                                                                                                                                                              أسلفنا أن مخنثا قال الكلام السالف لعبد الله بن أبي أمية ولعبد الرحمن بن عوف وفي "تاريخ أبي الفرج الأصبهاني" قيل ذلك لعمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة، أو لأخيه سلمة، وذكر يونس بن بكير، عن ابن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 484 ] إسحاق:
                                                                                                                                                                                                                              أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولى لخالته يقال له: ماتع، وكان يكون بمنزله فسمعه يقول لخالد بن الوليد: إن فتح الله عليكم غدا الطائف أدلك على ابنة غيلان، فذكره، وذكر ابن حبان عن ماتع. قاله.

                                                                                                                                                                                                                              الخالة اسمها فاختة بنت عمرو بن عائذ . قال الواقدي: فغربه - صلى الله عليه وسلم - هو وهيت إلى روضة خاخ، فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخلا مع الناس، فلما ولي الصديق أخرجهما، فلما توفي دخلا، فلما ولي عمر أخرجهما، فلما قتل دخلا. وفي "معرفة الصحابة" لأبي منصور الباوردي من حديث إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص، قال: قالت عائشة رضي الله عنها لمخنث كان بالمدينة -يقال له: أنة- ألا تدلنا على امرأة نخطبها على عبد الرحمن بن أبي بكر؟ قال: بلى، إذا أقبلت فوصف كذا، وإذا أدبرت فوصف كذا. فسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا أنة اخرج من المدينة إلى حمراء الأسد، فليكن بها منزلك، ولا تدخل المدينة".

                                                                                                                                                                                                                              ثامنها:

                                                                                                                                                                                                                              فيه كما قال المهلب: حجة لمن أجاز بيع الأعيان الغائبة على الصفة كما قاله مالك خلافا للشافعي، و [لو] لم تكن الصفة في هذا الحديث تعني: الرؤية; لم ينهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدخول على النساء، وقد يقاس عليه الخصي والمجبوب.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: زجر من تشبه بالنساء وردعه، وتشبه الرجال بالنساء وعكسه عند القصد حرام.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 485 ] تاسعها:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("لا يدخلن هؤلاء عليكم") هل هو على التنزيه أو التحريم؟ قيل بالأول; لأنه لم يظهر فيه ما يدل أنه أراد ذلك لنفسه، وإنما ظهر منه الوصف فقط، وقيل بالثاني.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا علي بن عبد الله، نا سفيان -هو ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي العباس- هو السائب بن فروخ الشاعر الأعمى، عن عبد الله ابن عمرو قال: لما حاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - الطائف فلم ينل منهم شيئا قال: "إنا قافلون إن شاء الله". فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه - وقال مرة: "نقفل" -فقال: "اغدوا على القتال". فغدوا فأصابهم جراح، فقال: "إنا قافلون غدا إن شاء الله". فأعجبهم، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال سفيان مرة: فتبسم. قال الحميدي: ثنا سفيان بالخبر كله. أي: أخبرنا بجميع الحديث بلفظ: أنا وأخبرني، لا بغيره. وكان مدة المحاصرة ثمانية عشر يوما، فيما ذكره ابن سعد ، ويقال: خمسة عشر يوما، وقال ابن هشام سبعة عشر يوما . وعن مكحول أنه - عليه السلام - نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما ، وفي "الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم الحداد: حصار الطائف كان أربعين ليلة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 486 ] وروى يونس عن ابن إسحاق: ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك. وفي رواية الكلبي: بضعا وعشرين ليلة.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "السير" لسليمان بن طرخان أبي المعتمر: حاصرهم شهرا.

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن حبان والزهري: بضع عشرة ليلة .

                                                                                                                                                                                                                              وصححه ابن حزم .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الاكتفاء" لأبي الربيع بن سالم: عشرين يوما.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              اختلف الحفاظ في هذا الحديث هل هو عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أو ابن عمرو؟ .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحاكم في "إكليله": رواية الحفاظ عن سفيان على الأول وهو الصواب.

                                                                                                                                                                                                                              ورواه المتأخرون من أصحابه على الثاني.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 487 ] وقد شفا الحميدي حيث قال في حديث عبد الله: ابن عمر بن الخطاب . وأبو العباس الشاعر بالثاني أشهر ، إلا أن هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، ثم رواه من طريق: الدارمي، عن علي بن المديني، ثنا سفيان غير مرة، [عن عمرو بن دينار] ، عن أبي العباس الشاعر، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

                                                                                                                                                                                                                              وأما مسلم فأخرجه على الوهم عن جماعة من المتأخرين عن سفيان، وقال: عبد الله بن عمرو .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجياني: وقع عند الأصيلي والنسفي: عبد الله بن عمرو وقرئ على أبي زيد فرواه بضم العين وهو الصواب [وقد غلط في] هذا كثير من الناس منهم ابن المديني، وخطئ فرجع، ولما ذكر الدارقطني القولين قال: الصواب ابن الخطاب.

                                                                                                                                                                                                                              وفي مسند ابن عمر خرجه أبو مسعود وغيره في "الأطراف" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 488 ] الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              شعبة، عن عاصم: سمعت أبا عثمان: سمعت سعدا -وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله- وأبا بكرة -وكان تسور حصن الطائف في أناس، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالا: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام".

                                                                                                                                                                                                                              معنى (تسور حصن الطائف): صعد من أعلاه، مثل: إذ تسوروا المحراب [ص:21].

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري: وقال هشام: نا معمر، عن عاصم، عن أبي العالية -أي: زياد بن فيروز -أو أبي عثمان النهدي قال: سمعت سعدا وأبا بكرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              قال عاصم: قلت: لقد شهد عندك رجلان حسبك بهما. قال: أجل، أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر: فنزل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: قد سمي بعضهم، ذكر ابن سعد في "طبقاته" أنه خرج إليه منهم بضعة عشر رجلا . قال السهيلي: منهم الأزرق -عبد الحارث ابن كلدة المتطبب زوج سمية مولاة الحارث وأم زياد- والمنبعث وكان اسمه المضطجع فبدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمه، ومنهم: يحنس النبال ووردان جد الفرات بن زيد بن وردان، وإبراهيم بن جابر وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا، ومنهم: نافع بن مسروح، ونافع مولى غيلان .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 489 ] وأما موسى بن عقبة فقال: لم يخرج أحد من الطائف غير أبي بكرة فأعتقه، وتبعه الحاكم والبيهقي وغيرهما، ويحمل على أنه خرج وحده أولا، وهو مبين كذلك في كتاب: الجهاد، ثم خرج بعده جماعة، وعن الزهري: لم يخرج إليه (...) زياد.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة: (أبو بكرة) اسمه نفيع بن الحارث، كناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك; لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف وأخبره بذلك .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: "أبشر". فقال: قد أكثرت علي من أبشر الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              اعترض الداودي، فقال: قوله: (بين مكة والمدينة) وهم، وإنما هو بين مكة والطائف .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث يعلى في الجبة، للمتضمخ بالطيب، سلف في: الحج .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 490 ] الحديث السادس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الله بن زيد بن عاصم: لما أفاء الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قسم في الناس .. الحديث بطوله، والعالة: الفقراء، عال: إذا افتقر، يعيل.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس مثله سلف أيضا في أواخر الخمس .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فجمعهم في قبة من أدم) جمع: أديم، وهو الجلد الذي تم دباغه.

                                                                                                                                                                                                                              قال السيرافي: لم يجمع فعيل على فعل إلا أديم وأدم، وأفيق وأفق، وقضيم وقضم، والقضم: الصحيفة، والأفق: الجلد الذي تم دباغه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فقال: "إن قريشا حديث عهد بجاهلية") كذا وقع. والوجه: حديثو، كما نبه عليه الدمياطي بخطه .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن: -بعد ما سلف-:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي وائل، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - قسمة حنين، قال رجل من الأنصار: ما أراد بهذا وجه الله. فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فتغير وجهه وقال: "رحمة الله على موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر". ثم ذكر بعده حديث أبي وائل أيضا عنه قال: لما كان يوم حنين آثر النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسا، أعطى الأقرع مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناسا، فقال رجل: ما أريد بهذه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 491 ] القسمة وجه الله. فقلت: لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "رحمة الله على موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".


                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الخمس .

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (قال رجل من الأنصار): هو غريب، وأما التميمي الذي قال له: اعدل. فهو ذو الخويصرة كما ذكره في الحديث، كما نبه عليه السهيلي -وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد، وقال: اللهم ارحمني ومحمدا - وقد سلف قريبا في باب علامات النبوة أيضا . ويذكر عن ابن سعد كاتب الواقدي: أنه حرقوص بن زهير السعدي من سعد تميم، وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر، ثم كان خارجيا، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيه: "إنه سيكون من ضئضئي هذا قوم تحتقرون صلاتكم إلى صلاتهم" وذكر صفة الخوارج ، وليس ذو الخويصرة هذا هو ذو الثدية الذي قتله علي بالنهروان، ذلك اسمه نافع ذكره أبو داود ، أي: مترجما له على من سماه حرقوصا، والذي ذكره جماعة أنه حرقوص، وروي أن قائل ذلك كان أسود يوم خيبر، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية حاشا رجلا معروفا منهم، قيل: هو حرقوص السعدي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 492 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ينعطف على غزوة الطائف: لما خرج - عليه السلام - من حنين يريد الطائف، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة، فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوا عليهم وتهيأوا للقتال. وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل قريبا من حصنه وعسكر هناك، فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا. كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجلا، فارتفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى موضع مسجد الطائف اليوم، وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب، فضرب لهما قبتين، وكان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله، فحاصرهم ثمانية عشر يوما -كما سلف- ونصب عليهم المنجنيق، وهو أول ما رمي به في الإسلام، فيما ذكر ابن هشام.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق: حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت دبابة ثم زحفوا إلى جدار الطائف; ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فأمر - عليه السلام - بقطع أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 493 ] قال ابن سعد: ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم، فقال - عليه السلام -: "إني أدعها لله وللرحم".

                                                                                                                                                                                                                              ونادى مناديه: أيما عبد نزل من حصن وخرج إلينا فهو حر. فخرج منهم بضعة عشر رجلا -كما سلف- فأعتقهم رسول الله ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه ، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة فاستشار - عليه السلام - نوفل بن معاوية الديلي، فقال: "ما ترى؟ ". قال: ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.

                                                                                                                                                                                                                              فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب، فأذن في الناس بالرحيل فضج من ذلك الناس فقالوا: نرحل ولم تفتح علينا الطائف؟ فقال - عليه السلام -: "فاغدوا غدا على القتال" فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال - عليه السلام -: "إنا قافلون إن شاء الله" فسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك. وقال لهم: "قولوا: لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" فلما ارتحلوا واستقلوا قال: "قولوا: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون" وقيل: يارسول الله، ادع الله على ثقيف. فقال: "اللهم اهد ثقيفا وائت بهم" .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة: استشهد بالطائف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعيد بن سعيد بن العاص، وعرفطة بن الحباب ، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، رمي بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلق.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 494 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف إلى الجعرانة، وبها قسم غنائم حنين.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد: ثم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلال المحرم سنة تسع المصدقين يصدقون العرب، فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم، وبريدة بن الحصيب إلى أسلم وغفار وغيرهما، وأمر بأخذ العفو منهم وتوق كرائم أموالهم.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق: بعث المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء، فخرج عليه العنسي وهو بها، وفرق صدقات بني سعد على رجلين: الزبرقان بن بدر على ناحية، وقيس بن عاصم على ناحية، والعلاء بن الحضرمي على البحرين، وبعث عليا على نجران; ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم.

                                                                                                                                                                                                                              ثم بعث عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم قرشي ولا أنصاري وكانوا فيما بين السقيا وأرض بني تميم في المحرم سنة تسع فغنموا، ورد إليهم فأسلموا، وأهل خواصهم.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد: وسرية قطبة بن عامر إلى خثعم في صفر سنة تسع في عشرين رجلا فغنمها، ثم سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب في ربيع الأول سنة تسع، وسلفت سرية علقمة بن مجزز، وكانت إلى الحبشة في شهر ربيع الآخر سنة تسع كما سلف، وسلفت سرية علي أيضا وكانت إلى القلس: صنم طيء; ليهدمه في التاريخ المذكور فهدموه وغنموا، وفي السبي أخت عدي، وهرب عدي إلى الشام -كما سلف هناك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 495 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وكانت سرية عكاشة بن محصن إلى الجناب: أرض عذرة وكانت في ربيع الآخر أيضا سنة تسع .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              خبر كعب بن زهير مع رسول - صلى الله عليه وسلم - وقصيدته المشهورة: بانت سعاد، كان بين رجوعه من الطائف وغزوة تبوك وقد ساقها ابن إسحاق بعدها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية