الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4156 4418 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك، قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، ، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ -يريد الديوان- قال كعب فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكى أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي أنا قادر عليه. فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 591 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: "ما فعل كعب؟ ". فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه ونظره في عطفه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا. فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أظل قادما، زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب; فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: "تعال". فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: "ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟! ". فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك". فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك. فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 592 ] الربيع العمري
                                                                                                                                                                                                                              وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما إسوة، فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته، فسكت، فعدت له فنشدته. فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء. فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيني، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها. وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه، قال: "لا،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 593 ] ولكن لا يقربك". قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما يدريني ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب. فلبثت بعد ذلك عشر ليال، حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله -قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت- سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر. قال فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك". قال: قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله، قال: "لا، بل من عند الله". وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك". قلت: فإني

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 594 ] أمسك سهمي الذي بخيبر. فقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - لقد تاب الله على النبي والمهاجرين إلى قوله: وكونوا مع الصادقين [التوبة: 117 - 119 ] فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال: لأحد، فقال تبارك وتعالى: سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إلى قوله: فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين . قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: وعلى الثلاثة الذين خلفوا [التوبة: 118] وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، إنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه، فقبل منه.
                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 2757- مسلم: 716 ، 2769 - فتح: 8 \ 113]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه قصته بطولها، وقد سلف بعضه في الجهاد، وأشرنا إلى أن البخاري خرجه في عشرة مواضع في "صحيحه" مطولا ومختصرا .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ولم يعاتب أحدا تخلف عنها) -يعني: بدرا- وقد سلف هناك: ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها -بزيادة الجلالة-.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (إلا ورى بغيرها) أي: ستر، كما سلف في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فجلا للمسلمين) أي: كشف وبين وأظهر، مثل قوله

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 595 ] تعالى: لا يجليها لوقتها إلا هو [الأعراف: 187] وهو مخفف .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ليتأهبوا أهبة غزوهم) وفي بعض النسخ (عدوهم) والأهبة -بضم الهمزة- ما يحتاجون إليه ويستعدونه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (حتى اشتد بالناس الجد) الجد -بكسر الدال - جهاد في الشيء والمبالغة فيه. قال ابن التين: وضبط في بعض الكتب برفع (الناس) على أنه فاعل، ويكون الجد منصوبا بإسقاط حرف الخفض، وقيل: نعت لمصدر محذوف، فكأنه قال: اشتد الناس الاشتداد الجد، ويجوز نصب (الناس) ورفع (الجد) على إسقاط الخافض من (الناس).

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (حتى أسرعوا وتفارط الغزو) أي: تباعد، ويئست من اللحاق وكل شيء سبق فقد فرط.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وليتني فعلت) فيه: تمني ما فات فعله.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (مغموصا عليه النفاق) وفي مسلم: (في النفاق) أي: متهما مستحقرا. يقال: غمصت فلانا واغتمصته إذا استحقرته واستصغرته. وقوله: (فقال رجل من بني سلمة -هو بكسر اللام- يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفه) البرد: واحد البرود، وعطفه: جانبه. يقال: ثنى فلان علي عطفه، أي: أعرض علي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 596 ] وقوله: (فقال معاذ: بئس ما قلت) فيه: كراهة السب لمن يشار إليه بالشرف.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فأجمعت صدقه) أي: عزمت عليه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ليوشكن الله أن يسخطك علي)، أي: يعجلني. يقال: أوشك فلان خروجا، من العجلة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وثار رجال من بني سلمة) أي: هبوا - (وقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، أي: كافيك من ذنبك، فأسقط حرف الجر، ونصب (كافيك); لأنه خبر كان واسمها استغفار.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (يؤنبوني) أي: يلوموني، وفيه: التأسي بالغير، فإن المصيبة إذا عمت هانت بخلاف ما إذا خصت، وهذا في الدنيا موجود، وفي الآخرة مفقود، قال تعالى: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [الزخرف: 39] ، وفي نهي الناس عن كلامهم أن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بالهجران، وإن جاوز ذلك ثلاثة أيام.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي أنهما ممن شهد بدرا غريب ذلك كما نبهت عليه فيما مضى، ولم يذكر أحد من أهل السير أنهما شهداها .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ونهى المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة) هو بالرفع، وموضعه بالنصب على الاختصاص.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 597 ] قال سيبويه: عن العرب: اللهم [اغفر] لنا أيتها العصابة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (من جفوة الناس) هو بفتح الجيم، أي: من جفائهم.

                                                                                                                                                                                                                              (وتسورت الجدار): علوت سوره، وأبو قتادة هو: الحارث بن ربعي.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (أنشدك): أسألك، وأصله رفع الصوت بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ولا مضيعة) هو بإسكان الضاد وكسرها، أي: حيث يضاع حقك. وقوله: (فتيممت بها التنور) أي: قصدته وأحرقتها. وأنثه على معنى الصحيفة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فسجرته بها) أي: حميته، وحميت البئر: ملأته ماء، وسجرت السماء بالمطر.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله) عبر عن الإشارة بالقول، وإلا فقد نهى عن مكالمته.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: إحراق الكتاب الذي فيه المكروه.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: اعتزال النساء عند الذنب الذي لا يعلم المخرج منه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أوفى على جبل سلع) أي: أشرف وصعد وعلا، وسلع: جبل معروف بالمدينة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فخررت ساجدا) فيه: سجود الشكر، وكرهه مالك. وذكر ابن القصار جوازه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما ببشراه ووالله ما أملك غيرهما يومئذ) أي: من اللباس، وإلا فكان له مال، ولذلك قال: (إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة)

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 598 ] وقوله: (فتلقاني الناس فوجا فوجا) أي: جماعة جماعة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (لتهنك توبة الله عليك) هو بكسر النون، وصوب ابن التين الفتح; لأن أصله يهنأ بفتح النون.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فقام إلي طلحة بن عبيد الله) كانا أخوين آخى بينهما - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "أمسك عليك بعض مالك" فيه: التصدق بكل ماله. ولعله علم منه أنه لا يقدر على الصبر على الضرر والإطاقة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ما أعلم أحدا أبلاه الله في صدق الحديث)، يقال: أبلاه الله بلاء حسنا، وبلوت. يكون للخير والشر. قال تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنة [الأنبياء: 35] والمراد هنا النعمة، ومنه قوله تعالى: وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم [البقرة: 49] أي: نقمة، وأصله الاختبار، وأكثر ما يأتي مطلقا في الشر، فإذا جاء في الخير جاء مقيدا، كما قال: بلاء حسنا، وقال ابن قتيبة: يقال: أبلاه الله يبليه أو بلاء حسنا، وبلاه يبلوه بلاء في الشر . وقال صاحب "الأفعال": بلاه الله بالخير والشر بلاء اختبره به ومنعه له. وأبلاه بلاء حسنا: فعله به .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أن لا أكون كذبته) قال القاضي: كذا في نسخ البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                                                              والمعنى: أن أكون كذبته، و (لا) زائدة، كما قال: ما منعك ألا تسجد [الأعراف: 12] أي: أن تسجد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 599 ] وقوله: (قال كعب: كنا تخلفنا) كذا في البخاري، وفي مسلم: خلفنا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وأرجأ رسول الله) أي: أخر. وقول كعب في تفسير وعلى الثلاثة الذين خلفوا [التوبة: 118] ليس هو تخليفه عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه، ولما يأمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.

                                                                                                                                                                                                                              حكي عن محمد بن يزيد أنه قال: معنى خلفوا : ولوا; لأن معنى خلفت فلانا: فارقته قاعدا عما نهضت فيه وفسرها عكرمة: خلفوا: أقاموا بعقب النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وقرأ جعفر بن محمد: (خالفوا) . وقال أبو مالك: معناه: عن التوبة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث كعب غير ما سلف: ذكر الرجل في مكانه ليوفي بالحديث على وجهه، وفيه: تفضيل كعب ببيعة العقبة; لأنها أول بيعة في الإسلام، وذلك أنهم واعدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم إلى المدينة مهاجرا إذا أذن له.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أنه كان من السابقين الأولين الذين صلوا القبلتين، وغير ذلك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية