الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5153 5470 - حدثنا مطر بن الفضل، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان. فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: وار الصبي. فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: "أعرستم الليلة؟". قال: نعم. قال: "اللهم بارك لهما". فولدت غلاما، قال لي أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرسلت معه بتمرات، فأخذه [ ص: 293 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أمعه شيء؟". قالوا: نعم، تمرات. فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضغها، ثم أخذ من فيه فجعلها في في الصبي، وحنكه به، وسماه عبد الله. [انظر: 1301، 1502 - مسلم: 2144 - فتح:9 \ 587].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن محمد، عن أنس. وساق الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر فيه أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: ولد لي غلام، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة ودفعه إلي. وكان أكبر ولد أبي موسى.

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي في الأدب ، وأخرجه مسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: حديث عائشة - رضي الله عنها -: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بصبي يحنكه، فبال عليه، فأتبعه الماء. ويأتي في الأدب أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: حديث أسماء - رضي الله عنها - أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له وبرك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام، ففرحوا به فرحا شديدا; لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 294 ] سلف في الهجرة وأخرجه مسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              رابعها: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي .. الحديث. وفيه: وحنكه، وسماه عبد الله.

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا محمد بن المثنى، ثنا ابن أبي عدي -وهو: محمد بن إبراهيم- عن ابن عون وهو: عبد الله بن عون، عن محمد، عن أنس. وساق الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وسلف في الجنائز ، وأخرجه مسلم في الاستئذان .

                                                                                                                                                                                                                              والترجمة مشتملة على تسمية المولود وتحنيكه، فأما تسميته فمستحبة عندنا في يوم سابعه، وأما التحنيك فساعة يولد.

                                                                                                                                                                                                                              وتقييد البخاري أنه يسمى غداة يولد لمن لم يعق غريب، نعم حكاه ابن التين عن مذهب مالك، وحمله الخطابي على أن التسمية إنما تكون يوم السابع عند مالك، قال: وذهب كثير من الناس إلى أنه يجوز تسميته قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال محمد بن سيرين وقتادة والأوزاعي: إذا ولد وقد تم خلقه سمي في الوقت إن شاء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 295 ] وقد يحتج له بحديث: "ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم" .

                                                                                                                                                                                                                              قال مالك: وإن لم يستهل لم يسم .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب: وتسمية المولود حين يولد وبعد ذلك بليلة وليلتين وما شاء إذا لم ينو الأب العقيقة عند يوم سابعه جائز، وإن أراد أن ينسك عنه فالسنة أن يؤخر تسميته إلى يوم النسك وهو السابع; لحديث الحسن عن سمرة السالف.

                                                                                                                                                                                                                              وتحنيكه بالتمر تفاؤلا له بالإيمان كأنها ثمرة الشجرة التي شبهها الله بالمؤمن وبحلاوتها أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أنه حسن أن يقصد بالمولود أهل الفضل والعلماء والأئمة الصالحون، ويحنكونهم بالتمر وشبهه، ويتبرك بتسميتهم إياهم، غير أنه ليس لريق أحد في البركة كريقه - عليه السلام -، فمن وصل إلى جوفه من ريقه فقد أسعده الله وبارك فيه; ألا ترى بركة عبد الله بن الزبير وما حازه من الفضائل، فإنه كان قارئا للقرآن، عفيفا في الإسلام، وكذلك كان عبد الله بن أبي طلحة من أهل الفضل والتقدم في الخير; ببركة تحنيكه - عليه السلام - له.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الجنائز الكلام في حديث أسماء .

                                                                                                                                                                                                                              وأما خوفهم أن اليهود سحرتهم، فإن ذلك لصحة السحر عندهم، وخشية أن يفعل ذلك من لا يتقي الله من الكفار -كما سحر لبيد بن [ ص: 296 ] الأعصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما ولد عبد الله بن الزبير أمنوا ذلك وفرحوا.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (وأنا متم). قال صاحب "الأفعال" : أتمت كل حامل: حان أن تضع .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي: أي: قرب الولادة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فارس: المتم: الحبلى . فكانت ولادته في السنة الثانية من الهجرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (كان أول مولود ولد في الإسلام) يريد: بالمدينة من المهاجرين.

                                                                                                                                                                                                                              وظاهر حديث أبي طلحة أن التسمية كانت بعد التحنيك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية