الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          1302 - أخبرنا الفضل بن الحباب ، قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، عن يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا عوف ، قال : حدثني أبو رجاء ، قال : حدثني عمران بن حصين ، قال : كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كنا في آخر الليل ، وقعنا تلك الوقعة - ولا وقعة أحلى عند المسافر منها - فما أيقظنا إلا حر الشمس ، فاستيقظ فلان وفلان - وكان يسميهم أبو رجاء ونسيهم عوف - ثم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه الرابع .

                                                                                                                          وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ ، لأنا لا ندري ما يحدث له في النوم ، فلما استيقظ عمر رضوان الله عليه ورأى ما أصاب الناس ، وكان رجلا جليدا ، فكبر ورفع صوته بالتكبير ، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم ، فقال : لا يضير ، فارتحلوا ، وارتحل ، فسار غير بعيد ، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ، فنودي بالصلاة فصلى بالناس ، فلما انفتل من صلاته ، فإذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم ، فقال : ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم ؟ فقال : [ ص: 125 ] يا رسول الله ، أصابتني جنابة ، ولا ماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليك بالصعيد فإنه يكفيك .

                                                                                                                          ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكا الناس إليه العطش ، فنزل فدعا فلانا - وكان يسميه أبو رجاء ونسيه عوف - ودعا عليا رضوان الله عليه ، وقال : اذهبا فأتيا بالماء ، فانطلقا فاستقبلتهما امرأة بين مزادتين ، أو سطيحتين من ماء على بعير لها ، وقالا لها : أين الماء ؟ فقالت : عهدي بالماء أمس هذه الساعة ، ونفرنا خلوف ، قالا لها : انطلقي ، قالت : إلى أين ؟ قالا : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : هذا الذي يقال له : الصابي ؟ قالا : هو الذي تعنين ، فانطلقي .

                                                                                                                          وجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستنزلوها عن بعيرها ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء ، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين ، أو السطيحتين ، وأوكأ أفواههما ، وأطلق العزالي ، ونودي في الناس : أن استقوا واسقوا ، قال : فسقى من شاء ، واستسقى من شاء ، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء ، فقال : اذهب فأفرغه عليك .

                                                                                                                          قال : وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها ، قال : وايم الله ، لقد أقلع عنها حين أقلع ، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملئا منها حين ابتدئ فيها .

                                                                                                                          [ ص: 126 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجمعوا لها طعاما ، فجمع لها من تمر وعجوة ودقيقة وسويقة ، حتى جمعوا لها طعاما كثيرا ، وجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها ، ووضعوا الثوب الذي فيه الطعام بين يديها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلمين والله ما رزأنا من مائك شيئا ، ولكن الله هو الذي سقانا .

                                                                                                                          فأتت أهلها وقد احتبست عنهم ، قالوا : ما حبسك يا فلانة ؟ قالت : العجب ، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له : الصابي ، ففعل بي كذا وكذا - الذي قد كان - والله إنه لأسحر من بين هذه وهذه - وقالت بأصبعيها السبابة والوسطى ، فرفعتهما إلى السماء والأرض ، أو إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقا . فكان المسلمون بعد يغيرون على من حولها من المشركين ، ولا يصيبون الصرم الذي هي فيهم ، قالت يوما لقومها : ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم إلا عمدا ، فهل لكم في الإسلام ؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام
                                                                                                                          .

                                                                                                                          قال أبو حاتم رضي الله عنه : أبو رجاء العطاردي عمران بن تيم ، مات وهو ابن مائة وعشرين سنة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية