الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 188 ] ذكر وصف قدوم المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة عند هجرتهم إلى يثرب

                                                                                                                          6281 - أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي ، حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء ، يقول : اشترى أبو بكر رضي الله عنه من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما ، فقال أبو بكر لعازب : مر البراء فليحمله إلى أهلي ، فقال له عازب : لا حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة ، والمشركون يطلبونكم ؟ فقال : ارتحلنا من مكة فأحيينا ليلتنا حتى أظهرنا ، وقام قائم الظهيرة ، فرميت ببصري ، هل نرى ظلا نأوي إليه ؟ فإذا أنا بصخرة ، فانتهيت إليها ، فإذا بقية ظلها ، فسويته ، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلت : اضطجع يا رسول الله ، فاضطجع ، ثم ذهبت أنظر ، هل أرى من الطلب أحدا ، فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة ، يريد منها مثل الذي أريد - يعني الظل - فسألته ، فقلت : لمن أنت يا غلام ؟ قال الغلام : لفلان رجل من قريش ، فعرفته ، فقلت : هل في غنمك من لبن ؟ قال : نعم . قلت : هل أنت حالب لي ؟ قال : نعم ، فأمرته ، فاعتقل شاة من غنمه . وأمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ، [ ص: 189 ] ثم أمرته أن ينفض كفيه ، فقال هكذا ، وضرب إحدى يديه على الأخرى ، فحلب لي كثبة من لبن ، وقد رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة ، فصببت على اللبن حتى برد أسفله ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافقته قد استيقظ ، فقلت : اشرب يا رسول الله ، فشرب ، فقلت : قد آن الرحيل يا رسول الله ، فارتحلنا والقوم يطلبوننا ، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له ، فقلت : هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله . قال : فبكيت ، فقال : لا تحزن إن الله معنا فلما دنا منا ، وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة ، قلت : هذا الطلب يا رسول الله قد لحقنا ، فبكيت . قال : ما يبكيك ؟ قلت : أما والله ما على نفسي أبكي ، ولكن أبكي عليك ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اللهم اكفناه بما شئت . قال : فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ، ثم قال : يا محمد قد علمت أن هذا عملك ، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب ، وهذه كنانتي ، فخذ منها سهما ، فإنك ستمر على إبلي وغنمي في مكان كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك ، [ ص: 190 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا في إبلك ، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق راجعا إلى أصحابه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أتينا المدينة ليلا ، فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب ، أكرمهم بذلك ، فخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق ، وعلى البيوت من الغلمان والخدم يقولون : جاء محمد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح انطلق ، فنزل حيث أمر .

                                                                                                                          وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله جل وعلا : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام . قال : وقال السفهاء من الناس وهم اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله جل وعلا : قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

                                                                                                                          قال : وصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، فخرج بعدما صلى فمر على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس ، فقال : هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه قد وجه نحو الكعبة ، فانحرف القوم حتى توجهوا إلى الكعبة
                                                                                                                          .

                                                                                                                          قال البراء : وكان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن [ ص: 191 ] عمير أخو بني عبد الدار بن قصي ، فقلنا له : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو مكانه وأصحابه على أثري ، ثم أتى بعده عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر ، فقلنا : ما فعل من وراءك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟ قال : هم الآن على أثري ، ثم أتانا بعده عمار بن ياسر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، وبلال ، ثم أتانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عشرين من أصحابه راكبا ، ثم أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهم ، وأبو بكر معه .

                                                                                                                          قال البراء : فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل ، ثم خرجنا نلقى العير ، فوجدناهم قد حذروا
                                                                                                                          .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية