الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3244 [ 1812 ] وعن زيد بن خالد الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الشهداء؟! الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها.

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 115 و 116 و 117) و (5 \ 192 و 193) ومسلم (1719) وأبو داود (3569) والترمذي (2296 و 2297) وابن ماجه (2364).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قوله: ألا أخبركم بخير الشهداء ) الشهداء: جمع شهيد، كظرفاء جمع ظريف، ويجمع أيضا على: شهود، لكنه جمع شاهد، كحضور جمع حاضر، وخروج جمع خارج، ويعني بخير الشهداء أكملهم في رتبة الشهادة، وأكثرهم ثوابا عند الله تعالى.

                                                                                              و(قوله: الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ) يعني به الشهادة التي يجب أداؤها، ولم يسألها; كشهادة بحق لم يحضر مستحقه، أو بشيء يخاف ضياعه أو فوته، بطلاق أو عتق على من أقام على تصرفه من الاستمتاع بالزوجة، واستخدام العبد، إلى غير ذلك، فيجب على من تحمل شيئا من ذلك أداء تلك الشهادة، ولا [ ص: 173 ] يقف أداؤها على أن تسأل منه، فيضيع الحق، وقد قال تعالى: وأقيموا الشهادة لله [الطلاق: 2] ولا يعارض هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: (ثم يأتي من بعد ذلك قوم يشهدون ولا يستشهدون) لأن هذا محمول على أحد وجهين:

                                                                                              أحدهما: أن يراد به شاهد الزور; فإنه يشهد بما لم يستشهد; أي: بما لم يحمله.

                                                                                              والثاني: أن يراد به الذي يحمله الشره على تنفيذ ما يشهد به فيبادر بالشهادة قبل أن يسألها، فهذه شهادة مردودة، فإن ذلك يدل على هوى غالب على الشاهد، ولا خلاف عندنا في هذا إن شاء الله تعالى، وما ذكرناه أحسن ما حمل عليه هذا الحديث.

                                                                                              وقد روي عن النخعي : أنه قال: المراد بالشهادة في هذا الحديث: اليمين. واستدل عليه بقوله - صلى الله عليه وسلم - في بقية الحديث: (تسبق يمين أحدهم شهادته، وشهادته يمينه) وفيه نظر. وسيأتي إن شاء الله تعالى.

                                                                                              فرع: لا إشكال في أن من وجبت عليه شهادة على أحد الأوجه التي ذكرناها فلم يؤدها أنها جرحة في الشاهد والشهادة، ولا فرق في هذا بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين. هذا قول ابن القاسم وغيره، وذهب بعضهم إلى أن تلك الشهادة إن كانت بحق من حقوق الآدميين كان ذلك جرحة في تلك الشهادة نفسها خاصة، فلا يصلح له أداؤها بعد ذلك.

                                                                                              [ ص: 174 ] قلت: وهذا ليس بشيء; لأن الذي يوجب جرحته إنما هو فسقه بامتناعه من القيام بما وجب عليه من غير عذر، والفسق يسلب أهلية الشهادة مطلقا، وهذا واضح.




                                                                                              الخدمات العلمية