الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الخامس: شروط الموصي والموصى إليه

        وفيه مطالب:

        المطلب الأول: شروط الموصي

        المراد بالموصي: هو الآمر بالتصرف بعد الموت.

        ويشترط له شروط:

        الشرط الأول: العقل.

        فيشترط أن يكون الموصي عاقلا باتفاق الأئمة، فلا تصح وصية من زال عقله بجنون أو غطي عليه بسكر أو إغماء.

        ودليل ذلك:

        1- حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رفع القلم عن ثلاثة: وعن المجنون حتى يفيق».

        2- ولأنه لا عبارة لهؤلاء ولا حكم لكلامهم.

        [ ص: 21 ] الشرط الثاني: البلوغ.

        اتفق الفقهاء على أنه لا تصح وصاية صبي غير مميز; إذ لا عبارة له، ولأنه يولى عليه، فمن باب أولى أن لا يلي أمر غيره.

        أما الصبي المميز: فقد اختلف الفقهاء في وصايته، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في رواية: إلى أنه لا تصح وصاية الصبي المميز، إلا أن الحنفية استثنوا: ما إذا كانت الوصاية في تجهيزه وأمر دفنه فتصح منه.

        وذهب المالكية، والحنابلة -على الصحيح من المذهب- والشافعية في قول: إلى صحة وصاية الصبي المميز; لأنها تصرف تمحض نفعا له، فصح منه كالإسلام والصلاة.

        واشترط المالكية لصحة الوصاية من المميز: أن يكون ممن يعقل القربة كما قيد بعض الحنابلة صحة الوصاية من المميز بأن يكون قد جاوز العشر.

        وانظر بحث شروط الوصي في باب الموصي والموصى له: شرط البلوغ.

        وقد تقدم التفصيل في هذه المسألة.

        الشرط الثالث: الحرية.

        اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون الموصي حرا على قولين:

        القول الأول: صحة الوصاية إلى العبد في غير المال، سواء كان مكاتبا، أم مدبرا، أم أم ولد، أم غيرهم.

        وبه قال الحنابلة.

        [ ص: 22 ] وحجته:

        (269) 1- ما رواه البخاري من طريق شعبة، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة».

        فدل على أنه أهل للولاية في الجملة.

        2- ولأن له عبارة صحيحة وأهلية تامة.

        القول الثاني: أنه يشترط أن يكون الموصي حرا.

        وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعية.

        وحجته:

        1- أن الرق ينافي الولايات المتعدية كولاية القضاء والشهادة والتزويج وغيرها; لأنها تنبئ عن القدرة الحكمية; إذ الولاية تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى، والرق عجز حكمي.

        2- أن الأصل في الولايات ولاية المرء على نفسه، ثم التعدي منه إلى غيره عند وجود شرط التعدي، ولا ولاية للعبد على نفسه، فكيف يتعدى إلى غيره.

        ونوقش هذا الاستدلال بهذين الدليلين: بأنها لا تخلو إما أن تكون استدلالا بمحل النزاع، أو قياسا على مختلف فيه.

        الراجح -والله أعلم- هو القول الأول; إذ الأصل تساوي الأحرار والأرقة في الأحكام البدنية المحضة، إلا لدليل.

        [ ص: 23 ] الشرط الخامس: الولاية.

        يشترط في الموصي أن تكون له ولاية على من يوصي عليه.

        وذكر الشافعية ضمن شروط الموصي: أن لا يكون للطفل من يستحق الولاية; لأن مستحق الولاية بنفسه أقوى ممن يستحقها بغيره، فعلى هذا لو أوصى الأب بالولاية على أطفال وهناك جد كانت الوصية باطلة ولم يشترط بقية الفقهاء هذا الشرط.

        الشرط السادس: الإسلام.

        الكافر ليس من أهل الولاية بالنسبة للمسلم، فلا يصح إيصاء الكافر إلى غيره على أولاده المسلمين.

        لقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا

        وأما إيصاء الكافر على الكافر فسيأتي في شروط الموصى إليه.

        الشرط السابع: الرشد.

        اختلف الفقهاء في اشتراط كون الموصي رشيدا على قولين:

        القول الأول: عدم اشتراطه فيصح إيصاء السفيه على أولاده.

        وبه قال الحنفية والشافعية.

        وحجته: أن السفه لا ينافي الأهلية، ولا شيئا من الأحكام سوى ما يتعلق بالمال.

        القول الثاني: اشتراط كون الموصي رشيدا.

        [ ص: 24 ] وذهب المالكية إليه والحنابلة، فليس للأب السفيه أن يوصي على ولده وإنما ينظر له الحاكم; لأن الأب السفيه لا يملك التصرف على ولده بنفسه فوصيه أولى.

        وقال المرداوي: «ظاهر كلام كثير من الأصحاب في باب الموصى إليه صحة وصية السفيه على أولاده، وهو أولى بالصحة من الوصية بالمال».

        الراجح: -والله أعلم- هو القول الأول; لقوة دليله.

        الشرط الثامن: العدالة.

        اختلف الفقهاء في اشتراط العدالة في الموصي على قولين:

        فذهب الحنفية، وهو ظاهر قول المالكية، والحنابلة إلى عدم اشتراط العدالة في الموصي، فتصح وصاية الفاسق.

        لعموم أدلة الولاية.

        وذهب الشافعية: إلى اشتراط العدالة في الموصي، فلا تصح وصاية الفاسق عندهم; لأن الفاسق ليس له ولاية، فكان أولى أن لا تصح منه تولية.

        الراجح -والله أعلم- هو القول الأول; لقوة دليله.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية