الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        أدلة القول الثاني: (الذكر كالأنثى سواء) :

        1 - حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد رضي الله عنه: «سو بينهم» ، وعلل ذلك بقوله: «أيسرك أن يستووا في برك؟» قال: نعم، قال: «فسو بينهم» ، والبنت كالابن في استحقاق برها، وكذلك في وقفها.

        وفي رواية: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألك ولد غيره» ؟ فقال: نعم، فقال: «ألا سويت بينهم؟» ، ولم يقل: ألك ولد غيره ذكر أو أنثى، وذلك لا يكون إلا وحكم الأنثى فيه كحكم الذكر، ولولا ذلك لما ذكر التسوية إلا بعد علمه أنهم كلهم ذكور، فلما أمسك عن البحث عن ذلك ثبت استواء حكمهم في ذلك عنده.

        [ ص: 244 ] ونوقش من ثلاثة أوجه:

        الوجه الأول: أن حديث بشير قضية في عين، وحكاية حال لا عموم لها، وإنما يثبت حكمها فيما يماثلها، ولا نعلم حال أولاد بشير، هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر.

        وأجيب عنه:

        الأمر الأول: أن الأصل العموم، وعدم الخصوص.

        الأمر الثاني: أن هذا مما يضعف احتجاجكم بمثله على وجوب التسوية بين الأولاد، وإبطال الوقف بالتفضيل بينهم.

        الوجه الثاني: أن تحمل التسوية التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم على القسمة على كتاب الله تعالى.

        وأجيب: بأن هذا بعيد غاية البعد.

        ونوقش: بعدم التسليم; بل هذا هو المتبادر المفهوم لدى الصحابة صلى الله عليه وسلم.

        الوجه الثالث: أنه يحتمل إرادة التسوية في أصل العطاء لا في صفته، فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه.

        يدل على ذلك ما ورد عن عطاء قال: «ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله» ، وهذا خبر عن جميعهم.

        الوجه الرابع: علم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا أنثى له. [ ص: 245 ] وأجيب: بأنه يرده قوله صلى الله عليه وسلم: «أكل ولدك أعطيت مثله» .

        (220) 2 - ما رواه البيهقي من طريق سعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثرا لآثرت النساء على الرجال» .

        ونوقش من وجهين:

        الوجه الأول: أن الحديث مرسل; والطريق المرفوعة ضعيفة.

        الوجه الثاني: لو سلم بصحته، فإنه يحمل على التسوية بما جاء في كتاب الله، أو على التسوية في أصل العطاء لا في صفته، يدل عليه قول عطاء السابق في عمل الصحابة.

        وأجيب عن هذه المناقشة: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قابل التسوية بالتفضيل، فيراد بالتسوية ما لا يكون فيه تفضيل أصلا، وقول عطاء محمول على القسمة في المرض، والكلام في وقف الصحيح، والمرسل حجة عندنا، ثم له طرق، والمرسل إذا تعدد مخرجه كان حجة عند الجميع.

        [ ص: 246 ] (226) 3 - ما رواه الطحاوي: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: حدثنا عبد الله بن معاذ، عن معمر، عن الزهري، عن أنس عنه قال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، ثم جاءت بنت له فأجلسها إلى جنبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا عدلت بينهما» (ضعيف) .

        قال الطحاوي: «أفلا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أراد منه التعديل بين الابنة والابن، وأن لا يفضل أحدهما على الآخر، فذلك دليل على ما ذكرنا في العطية أيضا» .

        4 - ولأنه لما شرع أن يساوي بينهم في أصل الوقف كذلك في مقدارها.

        5 - ولأنه وقف في الحياة، فاستوى فيها الذكر والأنثى، كالنفقة والكسوة.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - أنه يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين; لقوة ما استدلوا [ ص: 247 ] به، ولأن ذلك هو حظ الأنثى لو أبقاه الواقف في يده، ولأنه فهم السلف رحمهم الله تعالى.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية