الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4239 باب: تتميم الأنبياء وختمهم بالنبي، صلى الله عليه وآله، وبارك وسلم

                                                                                                                              وقال النووي: ( باب ذكر كونه، صلى الله عليه وآله وسلم: خاتم النبيين).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 51 جـ15، المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: [ ص: 501 ] هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين"].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله، صلى الله عليه وآله (وسلم; قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي; كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه. فجعل الناس يطوفون به)، أي: بالبيت (ويعجبون له)، أي: لأجله (ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة!). أي: لو وضعت هذه اللبنة; لكان بناء البيت كاملا.

                                                                                                                              "واللبنة": بفتح اللام، وكسر الباء. ويجوز: إسكان الباء، مع فتح اللام وكسرها، كما في نظائرها. والله أعلم. وهي قطعة طين تعجن، وتيبس، ويبنى بها من غير إحراق.

                                                                                                                              (قال: فأنا اللبنة. وأنا خاتم النبيين). وهذا الحديث، له ألفاظ وطرق.

                                                                                                                              قال في الكواكب: قيل: المشبه به واحد. والمشبه جماعة. فكيف يصح التشبيه؟

                                                                                                                              وجوابه: أنه جعل الأنبياء كلهم كواحد، فيما قصد في التشبيه. وهو أن المقصود من بعثتهم: ما تم إلا باعتبار الكل. فكذلك البيت، لا يتم إلا بجميع اللبنات. أو أن التشبيه، ليس من باب تشبيه المفرد [ ص: 502 ] بالمفرد; بل هو تشبيه تمثيل - فيؤخذ وصف: من جميع أحوال المشبه، ويشبه بمثله: من أحوال المشبه به. فيقال: شبه الأنبياء، وما بعثوا به من الهدى والعلم، وإرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق: بقصر أسس قواعده، ورفع بنيانه. وبقي منه موضع لبنة. فنبينا، صلى الله عليه وآله وسلم: بعث لتميم مكارم الأخلاق، كأنه هو تلك اللبنة: التي بها إصلاح ما بقي من الدار. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي: فيه فضيلته، صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه خاتم الأنبياء.

                                                                                                                              وفيه: جواز ضرب الأمثال في العلم وغيره. انتهى.

                                                                                                                              وقال في الفتح: وفي الحديث: ضرب الأمثال؛ للتقريب للأفهام. وفضل النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: على سائر النبيين، وأن الله ختم به المرسلين، وأكمل به شرائع الدين. انتهى.

                                                                                                                              قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي: قد أكثر المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم -اقتداء بالقرآن-: من ضرب الأمثال، زيادة في الكشف. فإنه أوقع في القلب، وأقمع للخصم الألد; لأنه يريك المتخيل محققا، والمعقول محسوسا. ولشأنه العجيب في إبرازه الحقائق المستورة، ووضع الستور عن وجه الخفيات: كثر في القرآن.

                                                                                                                              والمثل في الأصل بمعنى: "النظير" ثم نقل في العرف: إلى [ ص: 503 ] القول السائر، الممثل مضربه بمورده. ولم يسيروه، ولم يجعلوه مثلا; إلا إذا خص بنوع من الغرابة؛ ولهذا لم يغيروه عما ورد، ثم استعير للصفة، والقصة العجيبة الشأن، وفيها غرابة. انتهى.

                                                                                                                              قلت: وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: ولكن رسول الله وخاتم النبيين أي: آخرهم الذي ختمهم، أو ختموا به، على قراءة عاصم بالفتح.

                                                                                                                              وقيل: من لا نبي بعده; يكون أشفق على أمته، وأهدى لهم؛ إذ هو كالوالد لولد، ليس له غيره. ولا يقدح فيه نزول عيسى -عليه السلام- بعده; لأنه إذا نزل يكون على دينه. مع أن المراد: أنه آخر من نبئ. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية