الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              598 [ ص: 340 ] (باب وجوب القراءة بأم القرآن في الصلاة ) .

                                                                                                                              وقال النووي: (باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وأنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها، قرأ ما تيسر من غيرها ) .

                                                                                                                              (حديث الباب ) .

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 101 ج 4 المطبعة المصرية .

                                                                                                                              [عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" ثلاثا "غير تمام" .

                                                                                                                              فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام. فقال اقرأ بها في نفسك. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي. وإذا قال: الرحمن الرحيم . قال الله تعالى أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين . قال مجدني عبدي. (وقال مرة فوض إلي عبدي ) . فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين . قال هذا بيني وبين عبدي. ولعبدي ما سأل. فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . قال هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل"
                                                                                                                              .] .

                                                                                                                              [ ص: 341 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 341 ] (الشرح) .

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ) رضي الله عنه: (عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ) بكسر الخاء المعجمة.

                                                                                                                              قال الخليل، والأصمعي، وأبو حاتم السجستاني، والهروي، وآخرون: الخداج: النقصان.

                                                                                                                              فقوله: "خداج" أي: ذات خداج .

                                                                                                                              وقال جماعة من أهل اللغة: خدجت وأخدجت؛ إذا "ولدت لغير تمام".

                                                                                                                              والمراد بهذا النقصان: بطلان الصلاة. بدليل حديث آخر بلفظ:

                                                                                                                              "لا تجزي صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن" كما سيأتي تحريره.

                                                                                                                              والحديث بعضه يفسر بعضا، ويحمل بعضه على بعض. فليكن ذلك على ذكر منك.

                                                                                                                              "وأم القرآن" اسم الفاتحة. سميت بها لأنها فاتحته. كما سميت مكة أم القرى؛ لأنها أصلها.

                                                                                                                              [ ص: 342 ] (ثلاثا؛ "غير تمام" فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك ) .

                                                                                                                              ولا حجة في هذا. إنما الحجة في قوله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              "وفيه" وجوب قراءة الفاتحة. وظاهره: قراءتها باللسان، لا في النفس. وأنها متعينة لا يجزئ غيرها، إلا لعاجز عنها.

                                                                                                                              قال النووي: وهذا مذهب الشافعي، ومالك، وجمهور العلماء، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة، وطائفة قليلة: لا تجب.

                                                                                                                              بل الواجب آية من القرآن. لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ ما تيسر".

                                                                                                                              ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بأم القرآن".

                                                                                                                              والقول بأن المراد: لا صلاة كاملة. خلاف ظاهر اللفظ.

                                                                                                                              ومما يؤيده حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب".

                                                                                                                              رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه بإسناد صحيح. وكذا رواه أبو حاتم، وابن حبان.

                                                                                                                              [ ص: 343 ] وقوله: "اقرأ ما تيسر" محمول على الفاتحة. فإنها ميسرة .

                                                                                                                              أو على ما زاد على الفاتحة بعدها.

                                                                                                                              أو على من عجز عن الفاتحة. انتهى حاصله.

                                                                                                                              قلت: وقع في حديث ابن أبي أوفى عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وغيرهم:

                                                                                                                              (أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا أستطيع شيئا من القرآن. فقال له صلى الله عليه وسلم: "قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله" ) وفي إسناده مقال لا يوجب سقوط الاستدلال به.

                                                                                                                              فمن لم يقدر على الفاتحة، وما تيسر من القرآن، عدل إلى هذا الذكر مع إيجاب التعلم عليه، وتضييقه حتى يحفظ الفاتحة وقرآنا معها، فيصلي بذلك ما فرضه الله تعالى عليه.

                                                                                                                              وهكذا من كان مستعجم اللسان. ويتعذر عليه شيء من أذكار الصلاة بالعربية. كالتشهد، والتوجه. فله أن يأتي بمعنى ذلك بلسانه. حتى يتعلم ذلك الذكر الذي يتعذر عليه حال وجوب الصلاة عليه.

                                                                                                                              وقد جعل الله تعالى في الأمر سعة. لكن مع تحتم تعلم ما شرعه الله لعباده من أذكار الصلاة.

                                                                                                                              خصوصا: الفاتحة وما تيسر معها من القرآن: للأدلة الدالة على أنه [ ص: 344 ] لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب. بل لا تجزئ ركعة لا يقرأ فيها بها.

                                                                                                                              قال الشوكاني "رحمه الله" في "السيل الجرار": قد ورد الأمر بالقراءة في الكتاب العزيز، ثم بينت السنة: أنه: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن".

                                                                                                                              وفي لفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن".

                                                                                                                              وقوله: "لا صلاة". يدل على أن ترك قراءة الفاتحة، تبطل به الصلاة. لأن المراد: لا صلاة شرعية.

                                                                                                                              فما وقع من الصلاة لم يقرأ فيه بأم القرآن، فهو غير صلاة شرعية.

                                                                                                                              وهذا يكفي في الاستدلال على فرضية القراءة بفاتحة الكتاب. بل استلزم عدمها لعدم الصلاة. وهو زيادة على مجرد الفريضة.

                                                                                                                              وعلى فرض ورود دليل يدل على أن هذا الرأي لا يتوجه إلى الذات، فقد قدمنا لك أن تقدير الصحة، هو أقرب المجازين إلى الذات.

                                                                                                                              فتعين تقدير الصحة. هذا على فرض أنه لم يرد ما قدمنا بلفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن".

                                                                                                                              فكيف وقد ورد وثبت؟ فإن ذلك يقطع النزاع، ويرفع الخلاف، ويدفع في وجه من زعم؛ أن الذي ينبغي تقديره ههنا هو الكمال.

                                                                                                                              إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد ورد في حديث المسيء من وجه صحيح:

                                                                                                                              [ ص: 345 ] (أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقرأ بأم القرآن، وما شاء الله أن يقرأ.

                                                                                                                              وقال له: "ثم اصنع ذلك في كل ركعة"
                                                                                                                              ) .

                                                                                                                              وهذا دليل قوي على وجوب الفاتحة، في كل ركعة. فتقرر لك بهذا فرضية قراءة الفاتحة في كل ركعة، بالأدلة الصحيحة.

                                                                                                                              فدع عنك القيل والقال، والمجادلة بما لا ينفق من المقال. عند فحول الرجال. فإن كل ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع. انتهى.

                                                                                                                              ولله دره! ما أقوى كلامه! وأحسن بيانه! وأشفى تحريره!(فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين . قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم . قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين . قال: مجدني عبدي. (وقال مرة: فوض إلي عبدي ) فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين . قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل" ) .

                                                                                                                              قال أهل العلم: المراد بالصلاة هنا: الفاتحة.

                                                                                                                              [ ص: 346 ] وسميت بذلك، لأنها لا تصح إلا بها. كقوله: "الحج عرفة".

                                                                                                                              "وفيه" دليل على وجوبها بعينها في الصلاة.

                                                                                                                              والمراد بقسمتها: قسمتها من جهة المعنى. لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد، وثناء عليه، وتفويض إليه.

                                                                                                                              والنصف الثاني سؤال، وطلب، وتضرع، وافتقار.

                                                                                                                              ولا يقال: إن البسملة ليست من الفاتحة بهذا الحديث .

                                                                                                                              لأن التنصيف عائد إلى جملة الصلاة، لا إلى الفاتحة. هذا حقيقة اللفظ.

                                                                                                                              ثم إن التنصيف عائد إلى ما يختص بالفاتحة، من الآيات الكاملة.

                                                                                                                              ثم معناه: إذا انتهى العبد في قراءته إلى: الحمد لله رب العالمين .




                                                                                                                              الخدمات العلمية