الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في خلع المريضة]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اختلعت وكانت هي المريضة، قال ابن القاسم. له الأقل مما خالعها به أو قدر ميراثه منها. وقال مالك في كتاب محمد: له من ذلك خلع مثلها، فإن كان فيه فضل أخذ منه، يريد: الأقل مما خالع به أو خلع مثله. وقال أبو محمد عبد الوهاب: له ما خالعها عليه إذا حمله ثلثها. يريد: أن الطلاق كان بطوعه فسقط أن يكون وارثا، وصح أن يأخذ من الثلث على أحكام أفعال المريض فيما لم يأخذ له عوضا كهباته مع غير الوارث، ورأى مالك أنها معاوضة؛ لأنها اشترت نفسها، وما يملك منها بذلك، فكان له معاوضة بغير محاباة. والأول أحسن; لأنه وارث فلا يزاد على ميراثه إن خالع على أكثر; لأنهما يتهمان أن يتحيلا لتعطيه فوق ميراثه، وكثيرا ما تترك الزوجة حينئذ صداقها، فيجب أن يراعى ميراثه منها، ولا يحط منه، إن كان أكثر من خلع المثل أو أكثر من ثلثها إذا كان قدر ميراثه منها؛ لأنه كان يستحق ذلك من تركتها، فهو يقول: لم أضر الورثة بشيء، ولم أرض بالفراق إلا على حظي من الميراث. [ ص: 2556 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول إن له مما خالع عليه قدر ميراثه، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: قدر ميراثه يوم مات. وقال في العتبية: يوم خالع. والأول أصوب. ولو أعطى ذلك الآن، ثم تلف الباقي، كان هو الوارث دون بقية الورثة، أو نقص بإنفاق أو غيره، كان قد أخذ فوق ميراثه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في وقف ما خالع عليه، فقال ابن نافع: يوقف. وقاله أصبغ في كتاب محمد، قال: ولا يمكن منه. فإن صحت أخذه، وإن ماتت كان له منه قدر ميراثه. وقال في كتاب طلاق السنة: يترك في يدها على حاله، ولا تمنع من التصرف في مالها من بيع وشراء أو نفقة بالمعروف.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن كان الخلع على دنانير أو دراهم ألا توقف، وإن كان عبدا أو دارا وقف ومنعت من بيعه والتصرف فيه، فإن صحت أخذه، وإن ماتت كان الورثة بالخيار بين أن يجيزوه له، أو يردوه ميراثا; لأنهم شركاؤه فيه، ويكون على حقه في الميراث على الوفاء شائعا -وإن كانت قيمة ما خالع عليه أقل من قدر ميراثه- لأن الزوج لم يترك الفضل إلا لغرض له في عين ما خالع عليه، وإن كان ذلك العبد أو الدار أفضل مالها، كان أبين في رد الورثة.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وإن أوصت بوصية لم تدخل الوصية فيما خالعت به، ويخرج ما خالعت به من رأس المال، ثم تخرج الوصايا من ثلث الباقي. يريد: ثم يضم [ ص: 2557 ] الباقي إلى ما وقف فيكون له قدر ميراثه منه، وهذا إذا كانت الوصية بجزء بالثلث أو الربع، وإن كانت بدار أو بعبد، فلم يحمله الثلث، جرت على قولين فيمن قال: إن الوصايا تدخل فيما لم يعمل به. لا يعزل ما خالعت عليه. [ ص: 2558 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية