الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في مدبر النصراني يسلم ومدبر المرتد

                                                                                                                                                                                        مدبر النصراني يكون مسلما على ثلاثة أوجه : إما أن يسلم بعد التدبير ، أو يسلم ثم يدبره ، أو يشتريه مسلما فيدبره ، وقد اختلف في هذه الوجوه الثلاثة ، فاختلف إذا أسلم بعد التدبير ، هل يبقى على تدبيره ويؤاجر إلى موت سيده ، أو تباع رقبته؟ وإن أسلم ثم دبره لم يبع قولا واحدا .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يؤاجر إلى موت سيده أو يعجل عتقه الآن ، وإن اشتراه وهو مسلم ، ثم دبره كان فيه ثلاثة أقوال ، وكان الجواب كالأول : يمضي تدبيره إلى موت سيده . وقيل : يعجل عتقه . وقيل : الشراء فيه كان غير منعقد ، وكأنه دبر عبد غيره ، وقال مالك في المدونة : إذا دبره وهو نصراني ثم أسلم النصراني المدبر ، فإنه يؤاجر من مسلم إلى أن يموت سيده .

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب : يتخرج فيها قول آخر : أنه يباع ويدفع ثمنه إلى النصراني; اعتبارا بأم الولد إذا أسلمت; لأن خدمة أم الولد أقوى من خدمة التدبير . [ ص: 3951 ]

                                                                                                                                                                                        وهذا صواب ، فيباع لأن العقد المتقدم إنما كان من كافر ، والعتق يتضمن وجهين ، حق وهبة من السيد إلى العبد ، وهبة الكافر لا تلزمه ، وحقا لله ، والكافر غير مخاطب بفروع الشريعة ، وهذا بخلاف العتق المبتل إذا حوزه لنفسه فإن الرجوع بعد الحوز من باب التظالم ، ولهذا قال مالك مرة في أم ولد النصراني تسلم : أنها تباع . وقال في المبسوط في مكاتب النصراني يسلم : إن له أن يبيعه عبدا لا كتابة فيه ، والكتابة أبين كان أن يمضي إذا حوزه نفسه ليسعى فيها ، وإن دبره بعد أن أسلم لم يرد تدبيره; لأنه حكم بين مسلم ونصراني .

                                                                                                                                                                                        واختلف في تعجيل العتق فرآه مالك مثل الأول : يؤاجر ولا يعتق الآن . وقال غيره : يعجل عتقه; لأن حكمه إذا أسلم أن يباع ، فلما منع ذلك التدبير أعتق عليه . وكذلك إذا اشتراه وهو مسلم ثم دبره- لم يبع ولم يتعجل عتقه على قول مالك . وقال غيره : يعجل عتقه . وقال ابن القاسم فيمن دبر عبده ثم ارتد ولحق بدار الحرب : إن ماله يوقف حتى يموت ، ويعتق المدبر من ثلثه ، وفي عتقه من ثلثه نظر; لأن جميع ماله صار فيه للمسلمين ولا ثلث له . [ ص: 3952 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية