الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا اختلفا في المسافة والكراء]

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفا في المسافة والكراء فقال المكري: أكريتك إلى المدينة بمائتين.

                                                                                                                                                                                        وقال الآخر: بمائة إلى مكة، وبلغ إلى المدينة وكان نقد مائة وأتيا بما يشبه كان القول قول المكري في المائة التي قبض وفي إسقاط بقية المسافة، والقول قول المكتري في المائة التي لم ينقد، والمكري بالخيار بين: أن يحلف على تكذيب صاحبه فيحلف أنه لم يكر إلى مكة بمائة، أو على إثبات دعواه فيحلف لقد أكرى إلى المدينة بمائتين.

                                                                                                                                                                                        وكذلك المكتري له أن يحلف على تكذيب صاحبه أنه لم يكر إلى المدينة بمائتين، أو على إثبات دعواه فيحلف لقد أكرى إلى مكة بمائة.

                                                                                                                                                                                        فمن حلف على إثبات دعوى نفسه ثم نكل الآخر، كان الحكم على ما حلف عليه الحالف. وإن كانت يمينه على تكذيب صاحبه ثم نكل الآخر، حلف يمينا آخر على إثبات دعواه.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفا في من يبدأ باليمين اقترعا; لأنه لا مزية لأحدهما في التبدية على الآخر، فالمكتري يكره أن يبتدئ باليمين; لأنه يقول: إن بديت فحلفت على [ ص: 5185 ] تكذيب دعوى صاحبي، ثم نكل صاحبي حلفت يمينا أخرى على إثبات دعواي، وإن بديت فحلفت على إثبات دعواي ثم حلف المكري، لم تفدني يميني على إثبات دعواي.

                                                                                                                                                                                        وكذلك المكري يكره أن يبتدئ باليمين; لأنه يقول: إن حلفت على تكذيب صاحبي ثم نكل حلفت يمينا أخرى، وإن حلفت على إثبات دعواي فحلف لم تفدني يميني إلا في إسقاط دعواه، وإن هو بدأ فحلف حلفت على تكذيبه خاصة، وإن نكل حلفت على إثبات دعواي، فأفدت الوجهين جميعا.

                                                                                                                                                                                        وإن نقد الخمسين كان القول قول المكري أنه استحقها عن الوصول إلى المدينة، ثم هما مختلفان بعد ذلك عن ما استحقت؟ فالمكري يقول: عن ريع الماضي. والمكتري يقول: عن نصفه وأن الباقي في ذمتي [ ص: 5186 ] خمسون على أن الكراء مائة إلى مكة، ويغرم خمسة وعشرين إذا كانت المدينة نصف طريق مكة، والمكتري يقول عن نصفه.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفا في نصف طريق المدينة في غير مستعتب وكان نقد مائة، فالقول قول المكري أنه استحق منهما خمسين، ثم هما أيضا مختلفان عم استحقت؟ فالمكري يقول: عن نصف الماضي؛ لأن الكراء مائتان وقد مضى نصف المسافة، ويحمل في المستقبل نصف الأحمال. والقول قول المكتري أنه لم يبق في ذمته عن الماضي شيء; لأنه يقول: الكراء مائة وقد دفعت جميعها.

                                                                                                                                                                                        وإن كان نقده خمسين كان القول قول المكري أنه استحق منها خمسة وعشرين. والقول قول المكتري أن الباقي في ذمته اثنا عشر ونصف، وهذا الجواب عن الماضي.

                                                                                                                                                                                        وأما في المستقبل فالقول قول المكري مع يمينه أنه ليس عليه أن يحمل مع المنقود إلا على حساب ما أقر به، وهو ربع الأحمال [ ص: 5187 ] ويتحالفان ويتفاسخان فيما لم ينقد.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الكراء على ركوبه تحالفا وتفاسخا في جميع الباقي، ويرد المكري خمسة وعشرين; لأن الركوب لا يتبعض فيرد بعيب الشركة فيه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية