الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الحمالة الفاسدة

                                                                                                                                                                                        اختلف فيمن ابتاع سلعة على أن استحقت كان فلان كفيلا بخلاصها، فقال مالك وابن القاسم: الكفالة ساقطة، وقال غيرهما : هي لازمة ؛ لأنه هو الذي أدخل المشتري في دفع ماله للثقة به فعليه الأقل من قيمة السلعة يوم تستحق أو الثمن الذي أعطاه إذا كان البائع معسرا والأول أقيس؛ لأن تخليص السلعة ليس إليه وقد تحمل بما لا يقدر على الوفاء به والثمن أو القيمة لم تقع عليه حمالة والاستحسان قول الغير لتغليب أحد الضررين فتلزمه القيمة يوم الاستحقاق؛ لأنه القدر الذي كان يبذل فيها لو رضي المستحق بأخذ العوض أو الثمن إن كان أقل؛ لأنه هو الذي أتلف عليه بالحمالة، وهذا إذا كان المشتري والحميل يجهلان فساد ذلك.

                                                                                                                                                                                        فإن كانا يعلمان أو يعلم المشتري وحده لم يلزمه شيء؛ لأنه لم يغره، فإن علم ذلك الحميل وحده وجهل المشتري لزمه ذلك؛ لأنه غيره، وهذا الجواب في لزوم الحمالة وسقوطها.

                                                                                                                                                                                        وأما صحة البيع وفساده فإن لم يكن من البائع في ذلك شرط وإنما كان الشرط بين المشتري والحميل كان البيع جائزا وإن كان الشرط من البائع قال له: إن استحقت خلصتها لك، فهذا كفيل بتخليصها كان البيع مختلفا فيه هل [ ص: 5638 ] هو فاسد أو يصح بإسقاط الشرط ويفسد بتمسك المشتري به؟

                                                                                                                                                                                        وإذا كان البيع فاسدا وفسخ فوجد البائع فقيرا لم يكن على الحميل مطالبته؛ لأنه شرط إتباعه إن استحقت السلعة وهي لم تستحق بعد. وإن كانت تلك عادة من الموثقين أو كانت العادة أنهم لا يطلبون بمثل ذلك الشرط لم ينقض . وإن أخذ البائع من المشتري كفيلا بالثمن ليس بتخليص السلعة فوجد البيع فاسدا كان على الكفيل الأقل من القيمة أو الثمن، وهذه المسألة بخلاف الأولى؛ لأن الكفالة ها هنا وقعت بالثمن، فإن كان الثمن أقل غرمه؛ لأن الذي تحمله به ، وإن كانت القيمة أقل لم يغرم سواها.

                                                                                                                                                                                        ولابن القاسم في كتاب محمد أن الحمالة ساقطة والأول أحسن إلا أن يكون الثمن عرضا فرد القيمة عينا فيكون بخلاف الجنس الذي تحمل به، ولو كان المبيع بيعا فاسدا مما يرجع فيه إلى المثل وتحمل الحميل بالثمن وهو عين لجرت على ما تقدم في المسألة الأولى هل تسقط الحمالة أو تلزم على قول الغير؛ لأن مطالبته البائع بمثل المبيع ولم يتحمل به الحميل فسقطت على قول مالك وعلى قول غيره يكون على الحميل الأقل من الثمن أو المثل، وإن كان الثمن مؤجلا لم يغرم حتى يحل الأجل.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط فيمن باع زيتا بمائة دينار مؤجلة وأخذ بها حميلا فوجد البيع فاسدا، فليس له على الحميل شيء حتى يحل الأجل فيغرم الثمن ويبتاع به زيتا، فإن لم يوف أتبع المشتري بما بقي. [ ص: 5639 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد فيمن أعطى دينارا في دراهم إلى أجل وأخذ بها حميلا، الحمالة ساقطة . يريد: لأن الدراهم لا يصح الوفاء بها والدينار لم يتحمل به. وعلى قول عبد الملك: يلزمه الأقل من الدينار أو الدراهم.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية