الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل: من ذكر سجدة أو ركعة من صلاة بعد أن تلبس بأخرى

                                                                                                                                                                                        ومن ذكر ركعة أو سجدة من صلاة بعد أن تلبس بأخرى- فإنه لا يخلو أن يكون ذكر ذلك من فرض وهو في فرض، أو نفل، أو ذكر ذلك من نفل وهو في نفل أو فرض.

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: إن ذكر ذلك من فرض وهو في فرض أو نفل، ولم يطل ما بينهما، ولا أطال القيام، ولا ركع - عاد إلى إتمام الأولى، فإن أطال القيام أو ركع بطلت الأولى، وكان بمنزلة من ذكر صلاة وهو في صلاة، وإن لم يكن ركع- قطع وصلى الأولى، وإن كان ركع- أضاف إليها أخرى وسلم وصلى الأولى. وإن نسي ذلك من نفل وذكر وهو في نفل ولم يركع- رجع إلى إصلاح النفل، وإن ركع أبطل الأول وأتم الثاني ولم يقض الأولى; لأن من دخل في نفل فغلب على تمامه لم يقضه، وإن ذكر من نفل وهو في فرض لم يقضه ولم يرجع إلى النفل وإن قرب وإن لم يركع. وهذا أصل قوله في المدونة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا ذكر ذلك من فرض وهو في فرض فيما يحول بينه وبين إصلاح الأول على أربعة أقوال: فقال ابن القاسم في المدونة: إن كان قريبا [ ص: 532 ] رجع إلى صلاته، وإن تباعد وهو في القيام أو ركع- انتقضت صلاته التي أسقط منها.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب في كتاب محمد: إن صلى في الثانية ركعة خفيفة لم تبطل الأولى وأتمها، وإن تطاول ذلك جدا- أعاد.

                                                                                                                                                                                        وروى ابن وهب عن مالك في المبسوط في هذا الأصل إن كان صلى ركعة كان بالخيار: بين أن يقطع ويرجع إلى إصلاح الأولى، أو يمضي على صلاته ويعيد تلك.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: من سها عن شيء من فريضته حتى أحرم لنافلة - بطلت عليه صلاته. فأبطل الأولى بنفس الإحرام للثانية.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: لو صلى سبع ركعات - عاد إلى المكتوبة. وإلى هذا ذهب مطرف في ثمانية أبي زيد فقال: من دخل من مكتوبة في نافلة قبل السلام فذلك خفيف، وإن ذكر بعد أن ركع ركعتين فإنما عليه سجود السهو، ولا يكون أسوأ حالا من الذي يصلي خمسا أو ستا، وكلها صلاة، وليس كمن فارق الصلاة واشتغل بحديث أو طعام أو عمل وطال ذلك منه.

                                                                                                                                                                                        وقول أشهب ومطرف في هذا أحسن: ألا تبطل الأولى وإن طال; لأنه في قربة، وقد تقدم ذكر الاختلاف إذا طال فيما يضاد الصلاة من كلام ومشي [ ص: 533 ] واستدبار قبلة، وهو في هذا أخف.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا ذكر ذلك من نفل وهو في فرض، فقال ابن القاسم: لا يرجع إلى إصلاح الأولى.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: يرجع، فإن صلى ركعتين نافلة فسلم منها، ثم دخل في المكتوبة، فلما صلى منها ركعة أو ركعتين ذكر سجدة من النافلة، قال: يعود إليها فيصلحها بسجدة، ثم يتشهد، ثم يسلم. قال: وكذلك لو سها عن السلام من النافلة -وإن كان في الرابعة من المكتوبة- فإنه يرجع للنافلة فيسلم منها، ثم يسجد، ثم يبتدئ الفرض. ورأى أنه إن كان الابتداء تطوعا فقد صار التمام فرضا، فأشبه من ذكر ذلك من فرض وهو في فرض.

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف في ثمانية أبي زيد فيمن دخل من نافلة في مكتوبة قبل أن يسلم من النافلة: وإن ذكر قبل أن يركع جلس، ثم سلم من نافلته، وإن لم يذكر حتى ركع- مضى إلى الرابعة لينصرف على شفع، ثم يسجد لسهوه قبل السلام; لتركه السلام من الركعتين الأوليين.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا ذكر ذلك من نفل وهو في نفل: فقال ابن القاسم: يرجع إلى إصلاح الأولى ما لم يركع. وعلى قول ابن عبد الحكم يرجع إليه وإن ركع. [ ص: 534 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية