الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيما تكون الفرقة فيه بفسخ أو طلاق

                                                                                                                                                                                        النكاح على خمسة: صحيح لا خيار فيه، وصحيح فيه خيار، وصحيح فيه خيار مختلف فيه، وفاسد مجمع على فساده، وفاسد مختلف فيه.

                                                                                                                                                                                        والفراق في الأول بطلاق حسب ما ورد به القرآن، ويفترق الجواب فيما فيه خيار، والخيار على ثلاثة أقسام: أحدها: ما كان الخيار فيه قبل تمام العقد. والثاني: بعد انعقاده لحق تقدم العقد. والثالث: لحق حدث بعد العقد.

                                                                                                                                                                                        فإن زوج رجل بغير أمره، أو زوجت امرأة بغير أمرها، وعلم المعتدى عليه بقرب العقد- كان بالخيار بين الإجازة أو الرد، والرد ها هنا فسخ بغير طلاق; لأن النكاح لم يكن انعقد. وإن انعقد النكاح، ثم ظهر لأحد الزوجين من الآخر عيب تقدم العقد يوجب الرد فرد- كان الفراق على قولين: فقال ابن القاسم : ذلك بطلاق.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو جعفر الأبهري : إذا وجد الزوج المرأة مجنونة أو مجذومة فالرد يكون بغير طلاق.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا إذا كان العيب بالزوج، فاختارت الزوجة الفراق- أنه يكون فسخا بغير طلاق; لأنه عيب تقدم العقد، فإنما يرد منهما بحق تقدم العقد، ولا يحتاج إلى إيقاع طلاق، ولا أن ينطق به. فإذا قال أو قالت "رددت بالعيب" وقعت الفرقة، ولو قال الزوج: رددت بالعيب هي طالق. لم يقع طلاق; لأنها بقوله: رددت في غير عصمة، ولو قال إذا رد بالعيب: هي طالق. لوقع عليها الطلاق. [ ص: 1842 ]

                                                                                                                                                                                        ومن هذا الأصل ما اختلف فيه في الذي يوكل من يزوجه بألف، فزوجه بألفين، فلم يرض، ورد النكاح، فقال ابن القاسم : تكون فرقتهما طلاقا . وذكر سحنون عن غيره أنه قال: هو فسخ بغير طلاق، قال: وهو الذي أخذ به .

                                                                                                                                                                                        ومن هذا عقد العبد بغير إذن سيده فيرد ذلك السيد، هل يكون برده بمنزلة من لم يعقد، أو يكون بمنزلة أمر طرأ على العقد؟ فاختلف في إحرامه بالحج إذا ترك ذلك سيده: فقال ابن القاسم : عليه القضاء متى أعتق، أو أذن له سيده . وقال أشهب وسحنون : لا قضاء عليه . وهو أحسن; لأنه راد لحق تقدم العقد ففارق من فاته الحج; لأنه أمر طرأ على العقد بعد صحته.

                                                                                                                                                                                        ويختلف على هذا في نكاحه إذا رده سيده: فقال مالك وابن القاسم : يكون طلاقا . وعلى قول الأبهري وغيره لا يكون طلاقا .

                                                                                                                                                                                        والقسم الثالث: أن يحدث العيب بالزوج بعد العقد، فيقوم بالفراق، فذلك طلاق بخلاف الأول; لأن هذا أمر حدث بعد العقد وصحته، وكذلك [ ص: 1843 ] الجواب إذا قامت بالفراق لعدم النفقة، أو لأنه أضر بها، أو أعتقت الأمة فاختارت الفراق، فالفرقة في جميع ذلك بطلاق; لأنه حدث بعد العقد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية