الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان مع العدل والجور وأنه إذا ظلم بزيادة لم يحتسب به عن شيء

                                                                                                                                            1575 - ( عن أنس { أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ؟ قال : نعم إذا أديتها إلى رسول فقد برئت منها إلى الله ورسوله ، فلك أجرها وإثمها على من بدلها } مختصر لأحمد . وقد احتج بعمومه من يرى المعجلة إلى الإمام إذا هلكت عنده من ضمان الفقراء دون الملاك ) .

                                                                                                                                            1576 - ( وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            1577 - ( وعن وائل بن حجر قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ فقال : اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم } رواه مسلم والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول : أخرجه أيضا الحارث بن وهب ، وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه .

                                                                                                                                            وفي الباب عن جابر بن عتيك مرفوعا عند أبي داود بلفظ : { سيأتيكم ركب مبغضون ، فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها ، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم } ، وعن سعد بن أبي وقاص عند الطبراني في الأوسط مرفوعا { ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس } وعن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة [ ص: 185 ] وأبي سعيد عند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة : " أن رجلا سألهم عن الدفع إلى السلطان ، فقالوا : ادفعها إلى السلطان " وفي رواية " أنه قال لهم : هذا السلطان يفعل ما ترون . فأدفع إليه زكاتي ؟ قالوا : نعم " ورواه البيهقي عنهم وعن غيرهم أيضا .

                                                                                                                                            وروى ابن أبي شيبة من طريق قزعة قال : قلت لابن عمر : " إن لي مالا فإلى من أدفع زكاته ؟ قال : ادفعها إلى هؤلاء القوم : يعني الأمراء ، قلت : إذا يتخذون بها ثيابا وطيبا ، قال : وإن " وفي رواية " أنه قال : ادفعوا صدقة أموالكم إلى من ولاه الله أمركم ، فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها "

                                                                                                                                            وفي الباب أيضا عند البيهقي عن أبي بكر الصديق والمغيرة بن شعبة وعائشة وأخرج البيهقي أيضا عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال : " ادفعوها إليهم وإن شربوا الخمور " وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة : { إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك ، فإن اعتدى عليك فوله ظهرك ولا تلعنه وقل : اللهم إني أحتسب عندك ما أخذ مني } قوله : ( أثرة ) بفتح الهمزة والثاء المثلثة : هي اسم لاستئثار الرجل على أصحابه

                                                                                                                                            والأحاديث المذكورة في الباب استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور وإجزائها . وحكى المهدي في البحر عن العترة وأحد قولي الشافعي أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الظلمة ولا يجزئ ، واستدلوا بقوله تعالى : { لا ينال عهدي الظالمين } ، ويجاب بأن هذه الآية على تسليم صحة الاستدلال بها على محل النزاع عمومها مخصص بالأحاديث المذكورة في الباب . وقد زعم بعض المتأخرين أن الأدلة المذكورة لا تدل على مطلوب المجوزين لأنها في المصدق ، والنزاع في الوالي وهو غفلة عن حديث ابن مسعود وحديث وائل بن حجر المذكورين في الباب . وقد حكي في التقرير عن أحمد بن عيسى والباقر مثل قول الجمهور ، وكذلك عن المنصور وأبي مضر . وقد استدل للمانعين أيضا بما رواه ابن أبي شيبة عن خيثمة قال : سألت ابن عمر عن الزكاة فقال : ادفعها إليهم ، ثم سألته بعد ذلك فقال : لا تدفعها إليه فإنهم قد أضاعوا الصلاة . وهذا مع كونه قول صحابي ولا حجة فيه ضعف الإسناد لأنه من رواية جابر الجعفي

                                                                                                                                            ومن جملة ما احتج به صاحب البحر للقائلين بالجواز : بأنها لم تزل تؤخذ كذلك ولا تعاد ، وبأن عليا لم يثن على من أعطى الخوارج ، وأجاب عن الأول بأنه ليس بإجماع وعن الثاني بأن ذلك كان لعذر أو مصلحة إذ لا تصريح بالإجزاء ، ولا يخفى ضعف هذا الجواب ، والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز والإجزاء .

                                                                                                                                            1578 - ( وعن بشير ابن الخصاصية قال : { قلنا : يا رسول الله : إن قوما من [ ص: 186 ] أصحاب الصدقة يعتدون علينا ، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا ؟ فقال : لا } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا عبد الرزاق وسكت عنه أبو داود والمنذري ، وفي إسناده ديسم السدوسي ، ذكره ابن حبان في الثقات . وقال في التقريب : مقبول

                                                                                                                                            وفي الباب عن جرير بن عبد الله وأبي هريرة عند البيهقي . والحديث استدل به على أنه لا يجوز كتم شيء عن المصدقين وإن ظلموا وتعدوا . وقد عورض ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " من سئل فوق ذلك فلا يعطه " كما تقدم في حديث أنس الطويل الذي رواه عن كتاب أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتقدم الجمع بين هذا الحديث وبين ذلك هنالك . قال ابن رسلان : لعل المراد بالمنع من الكتم أن ما أخذه الساعي ظلما يكون في ذمته لرب المال ، فإن قدر المالك على استرجاعه منه استرجعه وإلا استقر في ذمته




                                                                                                                                            الخدمات العلمية