الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب من سافر في أثناء يوم هل يفطر فيه ، ومتى يفطر ؟

                                                                                                                                            1688 - ( عن ابن عباس قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين والناس مختلفون فصائم ومفطر ، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء ، فوضعه على راحلته أو راحته ثم نظر الناس المفطرون للصوام أفطروا } رواه البخاري )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            . هذا أحد ألفاظ حديث ابن عباس ، وقد ورد بألفاظ مختلفة في البخاري وغيره ، وقد تقدم ذكر بعضها ، وذكره المصنف ههنا للاستدلال به على أنه يجوز للمسافر الإفطار عند ابتداء السفر لقوله فيه : " فلما استوى على راحلته . . . إلخ " وقال الشافعي : من أصبح في حضر مسافرا فليس له أن يفطر إلا أن يثبت حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفطر يومالكديد انتهى . والحديث المذكور قد ثبت كما تقدم ولكنها لا تقوم به الحجة على إفطار من أصبح في حضر مسافرا ; لأن بين الكديد والمدينة ثمانية أيام ، بل هو حجة على أنه يجوز لمن صام أياما في سفره أن يفطر ، وقد ترجم عليه باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر ، والذي تقوم به الحجة على جواز إفطار من أصبح في حضر مسافرا هو حديث الباب . وكذلك حديث جابر المتقدم في الباب الأول كما تقدم تحقيق ذلك . قال المصنف رحمه اللهبعد أن ساق الحديث : قال شيخنا عبد الرزاق بن عبد القادر : صوابه خيبر أو مكة لأنه قصدهما في هذا الشهر ، فأما حنين فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة انتهى . والفتح كان لعشر بقين من رمضان ، وقيل : لتسع عشرة ليلة خلت منه . قال في الفتح : وهو الذي اتفق عليه أهل السير ، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة في عاشر شهر رمضان ، فإذا كانت حنين بعده بأربعين ليلة . لم يستقم أن يكون السفر إليها في رمضان . [ ص: 271 ]

                                                                                                                                            1689 - ( وعن محمد بن كعب قال : { أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سنة ؟ فقال : سنة ثم ركب } . رواه الترمذي ) .

                                                                                                                                            1690 - ( وعن عبيد بن جبر قال : { ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في رمضان فدفع ، ثم قرب غداءه ثم قال : اقترب فقلت : ألست بين البيوت ؟ فقال أبو بصرة : أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم } ؟ رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            الحديث الأول ذكره الحافظ وسكت عنه ، وفي إسناده عبد بن جعفر والد علي بن المديني وهو ضعيف .

                                                                                                                                            والحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات .

                                                                                                                                            وأخرج البيهقي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أنه كان يسافر وهو صائم فيفطر من يومه قوله : ( من الفسطاط ) هو اسم علم لمصر العتيقة التي بناها عمرو بن العاص . والحديثان يدلان على أنه يجوز للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه . قال ابن العربي في العارضة : هذا صحيح ، ولم يقل به إلا أحمد ، أما علماؤنا فمنعوا منه ، لكن اختلفوا إذا أكل هل عليه كفارة ؟ فقال مالك : لا ، وقال أشهب : هو متأول . وقال غيرهما : يكفر ، ونحب أن لا يكفر لصحة الحديث ولقول أحمد : عذر يبيح الإفطار فطر بأنه على الصوم يبيح الفطر كالمرض ، وفرق بأن المرض لا يمكن دفعه بخلاف السفر .

                                                                                                                                            قال ابن العربي : وأما حديث أنس فصحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر ، ثم ذكر أن قوله من السنة لا بد من أن يرجع إلى التوقيف ، والخلاف في ذلك معروف في الأصول . والحق أن قول الصحابي من السنة ينصرف إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد صرح هذان الصحابيان بأن الإفطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية