الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب قضاء رمضان متتابعا ومتفرقا وتأخيره إلى شعبان

                                                                                                                                            1697 - ( عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { قضاء رمضان إن شاء فرق ، وإن شاء تابع } رواه الدارقطني . قال البخاري : قال ابن عباس : لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى { فعدة من أيام أخر ) }

                                                                                                                                            1698 - ( وعن عائشة قالت : نزلت { فعدة من أيام أخر } متتابعات ، فسقطت متتابعات . رواه الدارقطني وقال : إسناد صحيح ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            . حديث ابن عمر في إسناده سفيان بن بشر وقد تفرد بوصله . قال الدارقطني : ورواه عطاء عن عبيد بن عمير مرسلا . قال الحافظ : وفي إسناده ضعف أيضا . وقد صحح الحديث ابن الجوزي وقال : ما علمنا أحدا طعن في سفيان بن بشر . ورواه الدارقطني أيضا من حديث عبد الله بن عمر ، وفي إسناده الواقدي وابن لهيعة .

                                                                                                                                            ورواه من حديث محمد بن المنكدر قال : بلغني { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان فقال : ذاك إليك ، أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء ؟ والله أحق أن يعفو } وقال : هذا إسناد حسن لكنه مرسل . وقد روي موصولا ولا يثبت .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وأنس وأبي هريرة ورافع بن خديج [ ص: 276 ] أخرجها البيهقي ، وهذه الطرق وإن كانت كل واحدة منها لا تخلو عن مقال فبعضها يقوي بعضا فتصلح للاحتجاج بها على جواز التفريق وهو قول الجمهور ، وحكاه في البحر عن علي عليه السلام وأبي هريرة وأنس ومعاذ ، ونقل ابن المنذر عن علي وعائشة وجوب التتابع قال في الفتح : وهو قول بعض أهل الظاهر .

                                                                                                                                            وروى عبد الرزاق بإسناده عن ابن عمر أنه قال : يقضيه تباعا ، وحكاه في البحر عن النخعي والناصر وأحد قولي الشافعي ، وتمسكوا بالقراءة المذكورة ، أعني قوله " متتابعات " .

                                                                                                                                            قال في الموطأ : هي قراءة أبي بن كعب ، وأجيب عن ذلك بما تقدم عن عائشة أنها سقطت ، على أنه قد اختلف في الاحتجاج بقراءة الآحاد كما تقرر في الأصول ، وإذا سلم أنها لم تسقط فهي منزلة عند من قال بالاحتجاج بها منزلة أخبار الآحاد ، وقد عارضها ما في الباب من الأحاديث . وقال القاسم بن إبراهيم : إن فرق أساء وأجزأ .

                                                                                                                                            وحكى في البحر عن داود أن القاضي يطابق وقت الفوات من أول الشهر وآخره ووسطه ، ومما احتج به للتتابع ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : { من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه } لكنه قال البيهقي : لا يصح .

                                                                                                                                            وفي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي وهو مختلف فيه . قال الدارقطني : ضعيف . وقال أبو حاتم : ليس بالقوي روى حديثا منكرا . قال عبد الحق : يعني هذا ، وتعقبه ابن القطان بأنه لم ينص عليه فلعله غيره ، قال : ولم يأت من ضعفه بحجة ، والحديث حسن . قال الحافظ : قد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه بأنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن قوله : ( قال ابن عباس ) وصله عبد الرزاق وأخرجه الدارقطني عنه من وجه آخر .

                                                                                                                                            1699 - ( وعن عائشة قالت : { كان يكون علي الصوم من رمضان ، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان ، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه الجماعة ، ويروى بإسناد ضعيف عن أبي هريرة .

                                                                                                                                            عن النبي صلى الله عليه وسلم { في رجل مرض في رمضان فأفطر ، ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر ، فقال : يصوم الذي أدركه ، ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ، ويطعم كل يوم مسكينا } رواه الدارقطني عن أبي هريرة من قوله ، وقال : إسناد صحيح موقوف ) . [ ص: 277 ]

                                                                                                                                            1700 - ( وروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا } وإسناده ضعيف . قال الترمذي : والصحيح أنه عن ابن عمر موقوف ) .

                                                                                                                                            1701 - ( وعن ابن عباس قال : إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء ، وإن نذر قضى عنه وليه . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني ، وفي إسناده عمر بن موسى بن وجيه وهو ضعيف جدا ، والراوي عنه إبراهيم بن نافع وهو أيضا ضعيف ، وروي عنه موقوفا وصححه الدارقطني كما ذكر المصنف وغيره .

                                                                                                                                            وحديث ابن عمر أخرجه الترمذي عن قتيبة عن عبثر بن القاسم عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وقال : غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، والصحيح أنه موقوف على ابن عمر ، قال : وأشعث هو ابن سوار ، ومحمد هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى . قال الحافظ رواه ابن ماجه من هذا الوجه ووقع عنده عن محمد بن سيرين بدل محمد بن عبد الرحمن وهو وهم منه أو من شيخه . وقال الدارقطني : المحفوظ وقفه على ابن عمر ، وتابعه البيهقي على ذلك .

                                                                                                                                            وأثر ابن عباس صححه الحافظ وأخرجه الدارقطني وسعيد بن منصور والبيهقي وعبد الرزاق موصولا ، وعلقه البخاري .

                                                                                                                                            قال عبد الحق في أحكامه : لا يصح في الإطعام شيء ، يعني مرفوعا ، وكذا قال في الفتح قوله : ( فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان ) استدل بهذا على أن عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام ولا في عشر ذي الحجة ولا عاشوراء ولا غير ذلك ، وهذا الاستدلال إنما يتم بعد تسليم أنها كانت ترى أنه لا يجوز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان ، ومن أين لقائله ذلك قوله : ( وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هذا لفظ مسلم .

                                                                                                                                            وفي لفظ البخاري " الشغل بالنبي صلى الله عليه وسلم " وفيه رواية للترمذي وابن خزيمة أنها قالت : " ما قضيت شيئا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا ، سواء كان لعذر أو لغير عذر ; لأن الزيادة ، أعني قوله : " وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد جزم بأنها مدرجة جماعة من الحفاظ كما في الفتح ، ولكن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية ، فيكون ذلك ، أعني [ ص: 278 ] جواز التأخير مقيدا بالعذر المسوغ بذلك قوله : ( ويطعم كل يوم مسكينا ) استدل به وبما ورد في معناه من قال : بأنها تلزم الفدية من لم يصم ما فات عليه في رمضان حتى حال عليه رمضان آخر وهم الجمهور ، وروي عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة . وقال الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال : وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم مخالفا . وقال النخعي وأبو حنيفة وأصحابه : إنها لا تجب الفدية لقوله تعالى { فعدة من أيام أخر } ولم يذكرها . وأجيب بأنها قد ذكرت في الحديث كما تقدم ، ويدل على ثبوتها قوله تعالى: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال في البحر : ونسخ التخيير لا ينسخ وجوبها على من أفطر مطلقا إلا ما خصه الإجماع . وقال أبو العباس : إن ترك الأداء لغير عذر وجبت وإلا فلا ، وحكي في البحر عن الشافعي أنه إن ترك القضاء حتى حال لغير عذر لزمه وإلا فلا . وأجيب عن هذين القولين بأن الحديث لم يفرق ، وقد بينا أنه لم يثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ، وأقوال الصحابة لا حجة فيها ، وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق ، والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا ، فالظاهر عدم الوجوب . وقد اختلف القائلون بوجوب الفدية هل يسقط بها أم لا ، فذهب الأكثر منهم إلى أنه لا يسقط .

                                                                                                                                            وقال ابن عباس وابن عمر وقتادة وسعيد بن المسيب : إنه يسقط . والخلاف في مقدار الفدية ههنا كالخلاف في مقدارها في حق الشيخ العاجز عن الصوم وقد تقدم بيانه قوله : ( إذا مرض الرجل في رمضان . . . إلخ ) استدل به على وجوب الإطعام من تركة من مات في رمضان بعد أن فات عليه بعضه ، وفيه خلاف ، والظاهر عدم الوجوب لأن قول الصحابة لا حجة فيه ، ووقع التردد فيمن مات آخر شعبان ، وقد رجح في البحر عدم الوجوب ; لأن الأصل البراءة قوله : ( وإن نذر قضى عنه وليه ) سيأتي البحث عن هذا قريبا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية