الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب وجوب الحج على المعضوب إذا أمكنته الاستنابة وعن الميت إذا كان قد وجب عليه

                                                                                                                                            1793 - ( عن ابن عباس { أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره ، قال : فحجي عنه } رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            1794 - ( وعن علي عليه السلام { : أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة شابة من خثعم فقالت : إن أبي كبير ، وقد أفند وأدركته فريضة الله في الحج ولا يستطيع أداءها ، فيجزي عنه أن أؤديها عنه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم } رواه أحمد والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            1795 - ( وعن عبد الله بن الزبير قال { : جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل ، والحج مكتوب عليه أفأحج عنه ؟ قال : أنت أكبر ولده ؟ قال : نعم ، قال : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزي ذلك عنه ؟ قال : نعم ، قال : فاحجج عنه } رواه أحمد والنسائي بمعناه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث علي أخرجه أيضا البيهقي وحديث ابن الزبير قال الحافظ : إن إسناده صالح قوله : ( إن أبي أدركته فريضة الله في الحج ) قد اختلف هل المسئول عنه رجل أو امرأة ، كما وقع الاختلاف في الروايات في السائل ، ففي بعض الروايات أنه امرأة ، وفي بعضها أنه رجل ، وقد بسط ذلك في الفتح قوله : ( شيخا ) قال الطيبي : هو حال ، والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة قوله : ( قال فحجي عنه ) في رواية للبخاري : " قال نعم " قوله : ( وقد أفند ) بهمزة مفتوحة ثم فاء ساكنة بعدها نون [ ص: 339 ] مفتوحة ثم دال مهملة . قال في القاموس : الفند بالتحريك : الخرف وإنكار العقل لهرم أو مرض والخطأ في القول والرأي ، والكذب كالإفناد ، ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا ، وفنده تفنيدا : أكذبه وعجزه وخطأ رأيه كأفنده انتهى قوله : ( أنت أكبر ولده ) فيه دليل على أن المشروع أن يتولى الحج عن الأب العاجز أكبر أولاده قوله : ( أرأيت . . . إلخ ) فيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه ، وفيه تشبيه ما اختلف فيه ، وأشكل بما اتفق عليه ، وفيه أنه يستحب التنبيه على وجه الدليل لمصلحة .

                                                                                                                                            وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز الحج من الولد عن والده إذا كان غير قادر على الحج ، وقد ادعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما اختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير ، حكاه ابن عبد البر . وتعقب بأن الأصل عدم الخصوص وأما ما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين مرسلين في هذا الحديث فزاد : " حجي عنه " وليس لأحد بعده ، فلا حجة في ذلك لضعف إسنادهما مع الإرسال .

                                                                                                                                            والظاهر عدم اختصاص جواز ذلك بالابن ، وقد ادعى جماعة من أهل العلم أنه خاص به . قال في الفتح : ولا يخفى أنه جمود

                                                                                                                                            وقال القرطبي : رأى مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف للقرآن فيرجح ظاهر القرآن ، ولا شك في ترجحه من جهة تواتره انتهى . ولكنه يقال : هو عموم مخصوص بأحاديث الباب ، ولا تعارض بين عام وخاص ، وهذه الأحاديث ترد على محمد بن الحسن حيث قال : إن الحج يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر النفقة ، وقد اختلفوا فيما إذا عوفي المعضوب ، فقال الجمهور : لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسا عنه . وقال أحمد وإسحاق : لا تلزمه الإعادة لئلا تفضي إلى إيجاب حجتين . وأجيب بأن العبرة بالانتهاء ، وقد انكشف أن الحجة الأولى غير مجزئة .

                                                                                                                                            1796 - ( وعن ابن عباس { : أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : . نعم حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء } رواه البخاري والنسائي بمعناه .

                                                                                                                                            وفي رواية لأحمد والبخاري بنحو ذلك ، وفيها قال : جاء رجل فقال : إن أختي نذرت أن تحج . وهو يدل على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره حيث لم يستفصله أوارث هو أم لا ، وشبهه بالدين )

                                                                                                                                            1797 - ( وعن ابن عباس قال { : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفأحج عنه ؟ قال : أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه ؟ [ ص: 340 ] قال : نعم ، قال : فاحجج عن أبيك } رواه الدارقطني ) حديث ابن عباس الآخر أخرجه النسائي والشافعي وابن ماجه قوله : ( إن أمي نذرت . . . إلخ ) قيل : إن هذا الحديث مضطرب لأنه قد روي أن هذه المرأة قالت : " إن أمي ماتت وعليها صوم شهر " كما تقدم في الصيام . وأجيب بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من : الصوم والحج ، ويؤيد ذلك ما عند مسلم عن بريدة أن { امرأة قالت : إن أمي وفيه يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها ؟ قال : صومي عنها ، قالت : إنها لم تحج أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها } قوله : ( قال نعم ) فيه دليل على صحة النذر بالحج ممن لم يحج ، فإذا حج أجزأ عن حجة الإسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر

                                                                                                                                            وقيل يجزئ عن النذر ثم يحج عن حجة الإسلام .

                                                                                                                                            وقيل : يجزي عنهما .

                                                                                                                                            وفيه دليل أيضا على إجزاء الحج عن الميت من الولد وكذلك من غيره ، ويدل على ذلك قوله : { اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء } . وروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه : لا يحج أحد عن أحد ، ونحوه عن مالك والليث . وعن مالك : إن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا قوله : ( أكنت قاضيته ) فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه . وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال ، ذلك ما شبه به في القضاء ، ويلحق بالحج حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك قوله : ( فالله أحق بالوفاء ) فيه دليل على أن حق الله مقدم على حق الآدمي ، وهو أحد أقوال الشافعي ، وقيل بالعكس ، وقيل سواء قوله : ( جاء رجل فقال : إن أختي . . . إلخ ) لا منافاة بين هذه الرواية والأولى ; لأنه يحتمل أن تكون القصة متعددة وأن تكون متحدة ولكن النذر وقع من الأخت والأم ، فسأل الأخ عن نذر أخته والبنت عن نذر الأم . وقد استدل المصنف بهذه الرواية على صحة الحج من غير الوارث لعدم استفصاله صلى الله عليه وسلم للأخ هل هو وارث أو لا ؟ وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما تقرر في الأصول .

                                                                                                                                            واستدل بأحاديث الباب على أنه يصح ممن لم يحج أن يحج نيابة عن غيره لعدم استفصاله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن ذلك ، وبه قال الكوفيون وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه ، واستدلوا بحديث ابن عباس الآتي في باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه ، وسيأتي الكلام فيه قوله : ( إن أبي مات وعليه حجة الإسلام . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يجوز للابن أن يحج عن أبيه حجة الإسلام بعد موته وإن لم يقع منه وصية ولا نذر ، ويدل على الجواز من غير الولد حديث الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لبيك عن شبرمة ، وسيأتي




                                                                                                                                            الخدمات العلمية