الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5794 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس سمعت جندبا يقول بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذ أصابه حجر فعثر فدميت إصبعه فقال

                                                                                                                                                                                                        هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سفيان ) هو الثوري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت جندبا ) في رواية أبي عوانة عن الأسود الماضية في أوائل الجهاد : " جندب بن سفيان البجلي " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي ) في رواية أبي عوانة " كان في بعض المشاهد " وفي رواية شعبة عن الأسود " خرج إلى الصلاة " وأخرجه الطيالسي وأحمد في رواية ابن عيينة عن الأسود عن جندب " كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فعثر ) بالعين المهملة والثاء المثلثة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ) هذان قسمان من رجز والتاء في آخرهما مكسورة على وفق الشعر ، وجزم الكرماني بأنهما في الحديث بالسكون وفيه نظر ، وزعم غيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعمد إسكانهما ليخرج القسمين عن الشعر ، وهو مردود فإنه يصير من ضرب آخر من الشعر وهو من ضروب البحر الملقب الكامل ، وفي الثاني زحاف جائز . قال عياض : وقد غفل بعض الناس فروى دميت ولقيت بغير مد فخالف الرواية ليسلم من الإشكال فلم يصب ، وقد اختلف هل قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - متمثلا أو قاله من قبل نفسه غير قاصد لإنشائه فخرج موزونا ، وبالأول جزم الطبري وغيره ، ويؤيده أن ابن أبي الدنيا في " محاسبة النفس " أوردهما لعبد الله بن رواحة فذكر أن جعفر بن أبي طالب لما قتل في غزوة مؤتة بعد أن قتل زيد بن حارثة أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل فأصيب إصبعه ، فارتجز وجعل يقول هذين القسمين وزاد :

                                                                                                                                                                                                        يا نفس إن لا تقتلي تموتي هذي حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد لقيت
                                                                                                                                                                                                        إن تفعلي فعلهما هديت

                                                                                                                                                                                                        وهكذا جزم ابن التين بأنهما من شعر ابن رواحة . وذكر الواقدي أن الوليد بن الوليد بن المغيرة كان رافق أبا بصير في صلح الحديبية على ساحل البحر ، ثم إن الوليد رجع إلى المدينة فعثر بالحرة فانقطعت إصبعه فقال هذين القسمين . وأخرجه الطبراني من وجه آخر موصول بسند ضعيف . وقال ابن هشام في زيادات السيرة " حدثني من أثق به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لي بعباس بن أبي ربيعة ، فقال الوليد بن الوليد أنا " فذكر قصة فيها " فعثر فدميت إصبعه فقالهما " وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون ابن رواحة ضمنهما شعره وزاد عليهما ، فإن قصة الحديبية قبل قصة مؤتة ، وقد تقدم نحو هذا الاحتمال في أوائل غزوة خيبر في الرجز المنسوب لعامر بن الأكوع اللهم لولا أنت ما اهتدينا وأنه نسب في رواية أخرى لابن رواحة . وقد اختلف في جواز تمثل النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء من الشعر وإنشاده حاكيا عن غيره فالصحيح جوازه . وقد أخرج البخاري في " الأدب المفرد " والترمذي وصححه والنسائي من رواية المقدام بن شريح عن أبيه " قلت لعائشة : أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان يتمثل من شعر ابن رواحة : ويأتيك بالأخبار من لم تزود
                                                                                                                                                                                                        " وأخرج ابن أبي شيبة نحوه من حديث ابن عباس وأخرج أيضا من مرسل أبي جعفر الخطمي قال : " كان رسول [ ص: 558 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يبني المسجد وعبد الله بن رواحة يقول . أفلح من يعالج المساجدا . فيقولها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول ابن رواحة : يتلو القرآن قائما وقاعدا . فيقولها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأما ما أخرجه الخطيب في التاريخ عن عائشة :

                                                                                                                                                                                                        تفاءل بما تهوى تكن فلقلما يقال لشيء كان إلا تحققا

                                                                                                                                                                                                        قال : وإنما لم يعربه لئلا يكون شعرا ، فهو شيء لا يصح . ومما يدل على وهائه التعليل المذكور ، والحديث الثالث في الباب يؤيد ذلك ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجوز له أن يحكي الشعر عن ناظمه . وقد تقدم في غزوة حنين قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " وأنه دل على جواز وقوع الكلام منه منظوما من غير قصد إلى ذلك ولا يسمى ذلك شعرا . وقد وقع الكثير من ذلك في القرآن العظيم ، لكن غالبها أشطار أبيات والقليل منها وقع وزن بيت تام ، فمن التام قوله - تعالى - : الحامدون السائحون الراكعون الساجدون - وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم - مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات - فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين - نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم - لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون - قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم - وجفان كالجواب وقدور راسيات - واتقون يا أولي الألباب - إن هذا لرزقنا ما له من نفاد - تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان - فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله - ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم . وكذلك السجود - والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم - إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها - يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك - وأزواج مطهرة ورضوان من الله - ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين - ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين - ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا - وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما والواو في كل منهما وإن كانت زائدة على الوزن لكنه يجوز في النظم ويسمى الخزم بالزاي بعد الخاء المعجمة . وأما الأشطار فكثيرة جدا فمنها فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر - ليقضي الله أمرا كان مفعولا - فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم - في أمة قد خلت من قبلها أمم - فذلكن الذي لمتنني فيه - فانبذ إليهم على سواء - ادخلوها بسلام آمنين - كان وعده مفعولا - حسدا من عند أنفسهم - ألا بعدا لعاد قوم هود - ويعلم ما جرحتم بالنهار - وتراهم يعرضون عليها - وكفى الله المؤمنين القتال - والله أركسهم بما كسبوا - حتى يخوضوا في حديث غيره - قل هو الرحمن آمنا به - ألا إلى الله تصير الأمور - نصر من الله وفتح قريب - ذلك تقدير العزيز العليم - نقذف بالحق على الباطل - اليوم أكملت لكم دينكم - يا أيها الناس اتقوا ربكم - لئن شكرتم لأزيدنكم - قتل الإنسان ما أكفره - ثاني اثنين إذ هما في الغار - قد علمنا ما تنقص الأرض منهم - إن قارون كان من قوم موسى - إن ربي بكيدهن عليم - وينصرك الله نصرا عزيزا - خلق الإنسان من علق - وآخر دعواهم أن الحمد لله - وأحلوا قومهم دار البوار - ولا تقتلوا النفس التي حرم الله - التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون - قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم - كلما أضاء لهم - ونحشر المجرمين يومئذ - يا أيها الإنسان إنك كادح - يا أيها الإنسان ما غرك - وهب لنا من لدنك رحمة - وينصرك الله نصرا عزيزا - والطير محشورة كل له أواب - وعندهم قاصرات الطرف أتراب - فإن عدنا فإنا ظالمون - زلزلة الساعة شيء عظيم - أنطعم من لو يشاء الله أطعمه - ثمرات النخيل والأعناب - ذلك الكتاب لا ريب فيه ومن التام أيضا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا وإذا انتهى إلى " الناس " تم أيضا ، وأيضا لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا وقيل في [ ص: 559 ] الجواب عن الحديث : إن وقوع البيت الواحد من الفصيح لا يسمى شعرا ، ولا يسمى قائله شاعرا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية