الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        595 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبد الله بن دينار ) هذا إسناد آخر لمالك في هذا الحديث ، قال ابن عبد البر : لم يختلف عليه فيه ، واعترض ابن التيمي فقال : هذا الحديث لا يدل على الترجمة ، لجعله غاية الأكل ابتداء أذان ابن أم مكتوم ، فدل على أن أذانه كان يقع قبل الفجر بقليل . وجوابه ما تقدم تقريره في الباب الذي قبله . وقال الزين بن المنير : الاستدلال بحديث ابن عمر أوجه من غيره ، فإن قوله " حتى ينادي ابن أم مكتوم " يقتضي أنه ينادي حين يطلع الفجر ، لأنه لو كان ينادي قبله لكان كبلال ينادي بليل .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) قال ابن منده حديث عبد الله بن دينار مجمع على صحته ، رواه جماعة من أصحابه عنه ، [ ص: 122 ] ورواه عنه شعبة فاختلف عليه فيه : رواه يزيد بن هارون عنه على الشك أن بلالا كما هو المشهور ، أو أن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال . قال : ولشعبة فيه إسناد آخر ، فإنه رواه أيضا عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة فذكره على الشك أيضا أخرجه أحمد عن غندر عنه ، ورواه أبو داود الطيالسي عنه جازما بالأول ، ورواه أبو الوليد عنه جازما بالثاني ، وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة ، وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن ، وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب ، وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة ، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم ، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد وأخرجه أحمد ، وجاء عن عائشة أيضا أنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول إنه غلط ، أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث وزاد " قالت عائشة : وكان بلال يبصر الفجر " قال : وكانت عائشة تقول : غلط ابن عمر . انتهى . وقد جمع خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصله : أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني . وجزم ابن حبان بذلك ولم يبده احتمالا ، وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره ، وقيل : لم يكن نوبا ، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان : فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر ، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت " كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة ، فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن " أخرجه أبو داود وإسناده حسن ، ورواية حميد عن أنس أن سائلا سأل عن وقت الصلاة ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأذن حين طلع الفجر الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح ، ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى ، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها ، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر ، واستقر أذان بلال بليل ، وكان سبب ذلك ما روي أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه ، وأنه أخطأ مرة فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع فيقول ألا إن العبد نام يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر ، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا مرفوعا ورجاله ثقات حفاظ ، لكن اتفق أئمة الحديث علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حمادا أخطأ في رفعه ، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب ، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادا انفرد برفعه ، ومع ذلك فقد وجد له متابع ، أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربي وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسب فرواه عن أيوب موصولا لكن سعيد ضعيف . ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا ، لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا ابن عمر . وله طريق أخرى عن نافع عند الدارقطني وغيره اختلف في رفعها ووقفها أيضا ، وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس ، وهذه طرق يقوي بعضها بعضا قوة [ ص: 123 ] ظاهرة ، فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول ، وسنذكر اختلافهم في تعيين الوقت المراد من قوله " يؤذن بليل " في الباب الذي بعد هذا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية