الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        817 حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب زعم عطاء أن جابر بن عبد الله زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو قال فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها قال كل فإني أناجي من لا تناجي وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب أتي ببدر وقال ابن وهب يعني طبقا فيه خضرات ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر فلا أدري هو من قول الزهري أو في الحديث

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن يونس ) هو ابن يزيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( زعم عطاء ) هو ابن أبي رباح وفي رواية الأصيلي " عن عطاء " ، ولمسلم من وجه آخر عن ابن وهب " حدثني عطاء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن جابر بن عبد الله زعم ) قال الخطابي لم يقل زعم على وجه التهمة ، لكنه لما كان أمرا مختلفا فيه أتى بلفظ الزعم لأن هذا اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في أمر يرتاب به أو يختلف فيه . قلت : وقد يستعمل في القول المحقق أيضا كما تقدم ، وكلام الخطابي لا ينفي ذلك ، وفي رواية أحمد بن صالح الآتية عن جابر ولم يقل " زعم " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 398 ] قوله : ( فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا ) شك من الراوي وهو الزهري ، ولم تختلف الرواة عنه في ذلك قوله : ( أو ليقعد في بيته ) كذا لأبي ذر بالشك أيضا ، ولغيره وليقعد في بيته بواو العطف ، وكذا لمسلم ، وهي أخص من الاعتزال لأنه أعم من أن يكون في البيت أو غيره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) هذا حديث آخر ، وهو معطوف على الإسناد المذكور ، والتقدير وحدثنا سعيد بن عفير بإسناده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي ، وقد تردد البخاري فيه هل هو موصول أو مرسل كما سيأتي وهذا الحديث الثاني كان متقدما على الحديث الأول بست سنين ، لأن الأول تقدم في حديث ابن عمر وغيره أنه وقع منه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر وكانت سنة سبع ، وهذا وقع في السنة الأولى عند قدومه - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ونزوله في بيت أبي أيوب الأنصاري كما سأبينه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أتي بقدر ) بكسر القاف وهو ما يطبخ فيه ، ويجوز فيه التأنيث والتذكير ، والتأنيث أشهر ، لكن الضمير في قوله " فيه خضرات " يعود على الطعام الذي في القدر ، فالتقدير أتي بقدر من طعام فيه خضرات ، ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال " فأخبر بما فيها " وحيث قال : قربوها " وقوله " خضرات " بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين كذا ضبط في رواية أبي ذر ، ولغيره بفتح أوله وكسر ثانيه وهو جمع خضرة ، ويجوز مع ضم أوله ضم الضاد وتسكينها أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلى بعض أصحابه ) قال الكرماني فيه النقل بالمعنى ، إذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقله بهذا اللفظ بل قال قربوها إلى فلان مثلا ، أو فيه حذف أي قال قربوها مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه .

                                                                                                                                                                                                        قلت والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه قال فكان يصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما فإذا جيء به إليه - أي بعد أن يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - منه - سأل عن موضع أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصنع ذلك مرة فقيل له : لم يأكل ، وكان الطعام فيه ثوم ، فقال : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ولكن أكرهه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كل فإني أناجي من لا تناجي ) أي الملائكة ، وفي حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة وابن حبان من وجه آخر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبي أن يأكل ، فقال له : ما منعك ؟ قال : لم أر أثر يدك قال : أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم ولهما من حديث أم أيوب قالت : نزل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول ، فذكر الحديث نحوه وقال فيه كلوا ، فإني لست كأحد منكم ، إني أخاف أوذي صاحبي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب أتي ببدر ) مراده أن أحمد بن صالح خالف سعيد بن عفير في هذه اللفظة فقط وشاركه في سائر الحديث عن ابن وهب بإسناده المذكور ، وقد أخرجه البخاري في الاعتصام قال " حدثنا أحمد بن صالح " فذكره بلفظ " أتي ببدر " وفيه قول ابن وهب " يعني طبقا فيه خضرات " ، وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح ، لكن أخر تفسير ابن وهب فذكره بعد فراغ الحديث . وأخرجه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب فقال " بقدر " بالقاف ورجح جماعة من الشراح رواية أحمد بن صالح لكون ابن وهب فسر " البدر " بالطبق فدل على أنه حدث به كذلك ، [ ص: 399 ] وزعم بعضهم أن لفظة " بقدر " تصحيف لأنها تشعر بالطبخ وقد ورد الإذن بأكل البقول مطبوخة ، بخلاف الطبق فظاهره أن البقول كانت فيه نيئة . والذي يظهر لي أن رواية " القدر " أصح لما تقدم من حديث أبي أيوب وأم أيوب جميعا ، فإن فيه التصريح بالطعام ، ولا تعارض بين امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من أكل الثوم وغيره مطبوخا وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخا ، فقد علل ذلك بقوله إني لست كأحد منكم وترجم ابن خزيمة على حديث أبي أيوب ذكر ما خص الله نبيه به من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخا ، وقد جمع القرطبي في " المفهم " بين الروايتين بأن الذي في القدر لم ينضج حتى تضمحل رائحته فبقي في حكم النيء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ببدر ) بفتح الموحدة وهو الطبق ، سمي بذلك لاستدارته تشبيها له بالقمر عند كماله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر ) أما رواية الليث فوصلها الذهلي في " الزهريات " وأما رواية أبي صفوان وهو الأموي فوصلها المؤلف في الأطعمة عن علي بن المديني عنه واقتصر على الحديث الأول وكذا اقتصر عقيل عن الزهري كما أخرجه ابن خزيمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلا أدري إلخ ) هو من كلام البخاري ، ووهم من زعم أنه كلام أحمد بن صالح أو من فوقه ، وقد قال البيهقي : الأصل أن ما كان من الحديث متصلا به فهو منه حتى يجيء البيان الواضح بأنه مدرج فيه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية