الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
128 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام قال حدثني nindex.php?page=showalam&ids=17235أبي عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=650125أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال يا معاذ بن جبل قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال nindex.php?page=treesubj&link=27962_30503_30507_31635_28656_30444ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار قال يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا وأخبر بها معاذ عند موته تأثما
[ ص: 273 ]
[ ص: 273 ] قوله : ( حدثني أبي ) هو nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام بن أبي عبد الله الدستوائي .
قوله : ( رديفه ) أي : راكب خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والجملة حالية والرحل بإسكان الحاء المهملة وأكثر ما يستعمل للبعير لكن معاذ كان في تلك الحالة رديفه - صلى الله عليه وسلم - على حمار كما يأتي في الجهاد .
قوله : ( قال : يا معاذ بن جبل ) هو خبر " أن " المتقدمة ، وابن جبل بفتح النون ، وأما معاذ فبالضم لأنه منادى مفرد علم ، وهذا اختيار ابن مالك لعدم احتياجه إلى تقدير ، واختار nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب النصب على أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب كأنه أضيف ، والمنادى المضاف منصوب ، وقال ابن التين : يجوز النصب على أن قوله معاذ زائد ، فالتقدير يا ابن جبل ، وهو يرجع إلى كلام nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب بتأويل .
قوله . ( قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ) اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة ، والسعد المساعدة ، كأنه قال : لبا لك وإسعادا لك ; ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير ، أي : إجابة بعد إجابة وإسعادا بعد إسعاد . وقيل في أصل لبيك واشتقاقها غير ذلك ، وسنوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .
قوله : ( ثلاثا ) أي : النداء والإجابة قيلا ثلاثا ، وصرح بذلك في رواية مسلم ، ويؤيده الحديث المتقدم في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه .
قوله : ( صدقا ) فيه احتراز عن شهادة المنافق . وقوله : " من قلبه " يمكن أن يتعلق بصدقا أي : يشهد بلفظه ويصدق بقلبه ، ويمكن أن يتعلق بيشهد أي : يشهد بقلبه ، والأول أولى . وقال الطيبي : قوله " صدقا " أقيم هنا مقام الاستقامة لأن الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه ، ويعبر به فعلا عن تحري الأخلاق المرضية كقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به أي : حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا ، انتهى . وأراد بهذا التقرير رفع الإشكال عن ظاهر الخبر ; لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد ، لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من nindex.php?page=treesubj&link=30377_30444عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة ، فعلم أن ظاهره غير مراد ، فكأنه قال : إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة . قال : ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به . وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضا بأجوبة أخرى : منها أن مطلقه مقيد بمن قالها تائبا ثم مات على ذلك . ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض ، وفيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة كما رواه مسلم ، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض ، وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن ، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة . ومنها أنه خرج مخرج الغالب ، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية . ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها . ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين . ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لأن nindex.php?page=treesubj&link=28773_24589_32707النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها ، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد . والعلم عند الله تعالى .
قوله : ( فيستبشرون ) كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون ، وللباقين بحذف النون ، وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض وهي تنصب في كل ذلك .
[ ص: 274 ] قوله : ( إذا يتكلوا ) بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف ، وهو جواب وجزاء أي : إن أخبرتهم يتكلوا . وللأصيلي nindex.php?page=showalam&ids=15086والكشميهني ينكلوا بإسكان النون وضم الكاف أن يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره ، وروى البزار بإسناد حسن من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لمعاذ في التبشير ، فلقيه عمر فقال : لا تعجل . ثم دخل فقال : يا نبي الله أنت أفضل رأيا ، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها ، قال فرده . وهذا معدود من موافقات عمر ، وفيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=22272الاجتهاد بحضرته - صلى الله عليه وسلم - . واستدل بعض متكلمي الأشاعرة من قوله : " يتكلوا " على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=28[1] .
قوله : ( عند موته ) أي : موت معاذ . وأغرب الكرماني فقال : يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلت : ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول : سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا . . فذكره .
قوله : ( تأثما ) هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة ، أي : خشية الوقوع في الإثم ، وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله : " يتحنث " . والمراد بالإثم الحاصل من كتمان العلم ، ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم ، وإلا لما كان يخبر به أصلا . أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال فأخبره به من لا يخشى عليه ذلك ، وإذا زال القيد زال المقيد ، والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى وقت موته . وقال القاضي عياض : لعل معاذا لم يفهم النهي ، لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم . قلت : والرواية الآتية صريحة في النهي ، فالأولى ما تقدم . وفي الحديث جواز الإرداف ، وبيان تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر . وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه ، واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده .
[ ص: 273 ] قوله : ( حدثني أبي ) هو nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام بن أبي عبد الله الدستوائي .
قوله : ( رديفه ) أي : راكب خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والجملة حالية والرحل بإسكان الحاء المهملة وأكثر ما يستعمل للبعير لكن معاذ كان في تلك الحالة رديفه - صلى الله عليه وسلم - على حمار كما يأتي في الجهاد .
قوله : ( قال : يا معاذ بن جبل ) هو خبر " أن " المتقدمة ، وابن جبل بفتح النون ، وأما معاذ فبالضم لأنه منادى مفرد علم ، وهذا اختيار ابن مالك لعدم احتياجه إلى تقدير ، واختار nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب النصب على أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب كأنه أضيف ، والمنادى المضاف منصوب ، وقال ابن التين : يجوز النصب على أن قوله معاذ زائد ، فالتقدير يا ابن جبل ، وهو يرجع إلى كلام nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب بتأويل .
قوله . ( قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ) اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة ، والسعد المساعدة ، كأنه قال : لبا لك وإسعادا لك ; ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير ، أي : إجابة بعد إجابة وإسعادا بعد إسعاد . وقيل في أصل لبيك واشتقاقها غير ذلك ، وسنوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .
قوله : ( ثلاثا ) أي : النداء والإجابة قيلا ثلاثا ، وصرح بذلك في رواية مسلم ، ويؤيده الحديث المتقدم في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه .
قوله : ( صدقا ) فيه احتراز عن شهادة المنافق . وقوله : " من قلبه " يمكن أن يتعلق بصدقا أي : يشهد بلفظه ويصدق بقلبه ، ويمكن أن يتعلق بيشهد أي : يشهد بقلبه ، والأول أولى . وقال الطيبي : قوله " صدقا " أقيم هنا مقام الاستقامة لأن الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه ، ويعبر به فعلا عن تحري الأخلاق المرضية كقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به أي : حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا ، انتهى . وأراد بهذا التقرير رفع الإشكال عن ظاهر الخبر ; لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد ، لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من nindex.php?page=treesubj&link=30377_30444عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة ، فعلم أن ظاهره غير مراد ، فكأنه قال : إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة . قال : ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به . وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضا بأجوبة أخرى : منها أن مطلقه مقيد بمن قالها تائبا ثم مات على ذلك . ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض ، وفيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة كما رواه مسلم ، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض ، وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد بإسناد حسن ، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة . ومنها أنه خرج مخرج الغالب ، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية . ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها . ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين . ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لأن nindex.php?page=treesubj&link=28773_24589_32707النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها ، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد . والعلم عند الله تعالى .
قوله : ( فيستبشرون ) كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون ، وللباقين بحذف النون ، وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض وهي تنصب في كل ذلك .
[ ص: 274 ] قوله : ( إذا يتكلوا ) بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف ، وهو جواب وجزاء أي : إن أخبرتهم يتكلوا . وللأصيلي nindex.php?page=showalam&ids=15086والكشميهني ينكلوا بإسكان النون وضم الكاف أن يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره ، وروى البزار بإسناد حسن من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لمعاذ في التبشير ، فلقيه عمر فقال : لا تعجل . ثم دخل فقال : يا نبي الله أنت أفضل رأيا ، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها ، قال فرده . وهذا معدود من موافقات عمر ، وفيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=22272الاجتهاد بحضرته - صلى الله عليه وسلم - . واستدل بعض متكلمي الأشاعرة من قوله : " يتكلوا " على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=28[1] .
قوله : ( عند موته ) أي : موت معاذ . وأغرب الكرماني فقال : يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلت : ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول : سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا . . فذكره .
قوله : ( تأثما ) هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة ، أي : خشية الوقوع في الإثم ، وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله : " يتحنث " . والمراد بالإثم الحاصل من كتمان العلم ، ودل صنيع معاذ على أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم ، وإلا لما كان يخبر به أصلا . أو عرف أن النهي مقيد بالاتكال فأخبره به من لا يخشى عليه ذلك ، وإذا زال القيد زال المقيد ، والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى وقت موته . وقال القاضي عياض : لعل معاذا لم يفهم النهي ، لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم . قلت : والرواية الآتية صريحة في النهي ، فالأولى ما تقدم . وفي الحديث جواز الإرداف ، وبيان تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر . وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه ، واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده .