الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم الباءة فليتزوج لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح
4778 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16665عمر بن حفص حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15730أبي حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش قال حدثني nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم عن nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة قال كنت مع nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=654677فلقيه عثمان بمنى فقال يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخلوا فقال عثمان هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي فقال يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول أما لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=treesubj&link=18445_32960_10800_10811يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء
[ ص: 9 ]
[ ص: 9 ] قوله ( باب قول النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=treesubj&link=10800من استطاع الباءة فليتزوج ، nindex.php?page=treesubj&link=10799فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) وقع في رواية السرخسي " لأنه " والأول أولى لأنه بقية لفظ الحديث ، وإن كان تصرف فيه فاختصر منه لفظ " منكم " وكأنه أشار إلى أن الشفاهي لا يخص ، وهو كذلك اتفاقا ، وإنما الخلاف هل يعم نصا أو استنباطا ؟ ثم رأيته في الصيام أخرجه من وجه آخر عن الأعمش بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503250من استطاع الباءة " كما ترجم به ليس فيه " منكم " .
قوله ( وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح ) كأنه يشير إلى ما وقع بين ابن مسعود وعثمان ، فعرض عليه عثمان فأجابه بالحديث ، فاحتمل أن يكون لا أرب فيه له فلم يوافقه ، واحتمل أن يكون وافقه وإن لم ينقل ذلك ، ولعله رمز إلى ما بين العلماء فيمن لا يتوق إلى النكاح هل يندب إليه أم لا ؟ وسأذكر ذلك بعد .
قوله ( حدثني nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ) هو النخعي ، وهذا الإسناد مما ذكر أنه أصح الأسانيد ، وهي ترجمة الأعمش عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=13726وللأعمش في هذا الحديث إسناد آخر ذكره المصنف في الباب الذي يليه بإسناده بعينه إلى الأعمش .
قوله ( كنت مع nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله ) يعني ابن مسعود .
قوله ( فلقيه عثمان بمنى ) كذا وقع في أكثر الروايات ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان " بالمدينة " وهي شاذة .
قوله ( فقال : يا أبا عبد الرحمن ) هي كنية ابن مسعود ، وظن ابن المنير أن المخاطب بذلك ابن عمر لأنها كنيته المشهورة ، وأكد ذلك عنده أنه وقع في نسخته من " شرح ابن بطال " عقب الترجمة " فيه ابن عمر ، لقيه عثمان بمنى " وقص الحديث . فكتب ابن المنير في حاشيته : هذا يدل على أن ابن عمر شدد على نفسه في زمن الشباب ، لأنه كان في زمن عثمان شابا ، كذا قال ، ولا مدخل nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر في هذه القصة أصلا ، بل القصة والحديث nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود ، مع أن دعوى أن ابن عمر كان شابا إذ ذاك فيه نظر لما سأبينه قريبا . فإنه كان إذ ذاك جاوز الثلاثين .
قوله ( فخليا ) كذا للأكثر ، وفي رواية الأصيلي " فخلوا " قال ابن التين : وهي الصواب ، لأنه واوي يعني من الخلوة مثل " دعوا " قال الله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فلما أثقلت دعوا الله انتهى . ووقع في رواية جرير عن الأعمش عند مسلم . " إذ لقيه عثمان فقال : هلم يا أبا عبد الرحمن ، فاستخلاه " .
قوله ( فقال عثمان : هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد ) لعل عثمان رأى به قشفا ورثاثة هيئة فحمل ذلك على فقده الزوجة التي ترفهه ، ووقع في رواية أبي معاوية عند أحمد ومسلم " ولعلها أن تذكر ما مضى من زمانك " وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم " لعلك يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان " لعلها أن تذكرك ما فاتك " ويؤخذ منه أن nindex.php?page=treesubj&link=10811معاشرة الزوجة الشابة تزيد في القوة والنشاط ، بخلاف عكسها فبالعكس .
قوله ( فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي فقال : يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول أما لئن قلت ذلك لقد ) هكذا عند الأكثر أن مراجعة عثمان nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود في أمر التزويج كانت قبل استدعائه [ ص: 10 ] لعلقمة . ووقع في رواية جرير عند مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15941وزيد بن أبي أنيسة عند nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان بالعكس ، ولفظ جرير بعد قوله فاستخلاه " فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة قال لي : تعال يا علقمة ، قال فجئت ، فقال له عثمان : ألا نزوجك " وفي رواية زيد " فلقي عثمان ، فأخذ بيده فقاما ، وتنحيت عنهما ، فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة يسرها قال : ادن يا علقمة ، فانتهيت إليه وهو يقول : ألا نزوجك " ويحتمل في الجمع بين الروايتين أن يكون عثمان أعاد على ابن مسعود ما كان قال له بعد أن استدعى علقمة ، لكونه فهم منه إرادة إعلام علقمة بما كان فيه .
قوله ( لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب ) في رواية زيد " لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شبابا فقال لنا " وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد في الباب الذي يليه " دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله ، فقال عبد الله : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا ، فقال لنا : يا معشر الشباب " وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم في هذه الطريق " قال عبد الرحمن وأنا يومئذ شاب ، فحدث بحديث رأيت أنه حدث به من أجلي " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن الأعمش " وأنا أحدث القوم " .
قوله ( يا معشر الشباب ) المعشر جماعة يشملهم وصف ما ، والشباب جمع شاب ويجمع أيضا على شببة وشبان بضم أوله والتثقيل ، وذكر الأزهري أنه لم يجمع فاعل على فعال غيره ، وأصله الحركة والنشاط ، وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين ، هكذا أطلق الشافعية . وقال القرطبي في " المفهم " يقال له حدث إلى ستة عشر سنة ، ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين ثم كهل ، وكذا ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الشباب أنه من لدن البلوغ إلى اثنتين وثلاثين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13256ابن شاس المالكي في " الجواهر " إلى أربعين ، وقال النووي : الأصح المختار أن الشاب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ، ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ، ثم هو شيخ . وقال الروياني وطائفة : من جاوز الثلاثين سمي شيخا ، زاد nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : إلى أن يبلغ الخمسين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11812أبو إسحاق الإسفراييني عن الأصحاب : المرجع في ذلك إلى اللغة ، وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الأمزجة .
قوله ( nindex.php?page=treesubj&link=10800من استطاع منكم الباءة ) خص الشباب بالخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ . وإن كان المعنى معتبرا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضا .
قوله ( الباءة ) بالهمز وتاء تأنيث ممدود ، وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد ، وقد يهمز ويمد بلا هاء ، ويقال لها أيضا الباهة كالأول لكن بهاء بدل الهمزة ، وقيل بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : المراد بالباءة النكاح ، وأصله الموضع الذي يتبوؤه ويأوي إليه ، وقال المازري : اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة ، لأن من شأن من يتزوج المرأة أن يبوئها منزلا . وقال النووي : اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد : أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع ، فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه - وهي مؤن النكاح - فليتزوج ، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء ، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبا .
والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح ، سميت باسم ما يلازمها ، وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته . والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=3503251ومن لم يستطع فعليه بالصوم قالوا : والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة ، فوجب تأويل [ ص: 11 ] الباءة على المؤن . وانفصل القائلون بالأول عن ذلك بالتقدير المذكور انتهى . والتعليل المذكور للمازري . وأجاب عنه عياض بأنه لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان ، فيكون المراد بقوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503252من استطاع الباءة " أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج . ويكون قوله " ومن لم يستطع " أي من لم يقدر على التزويج . قلت : وتهيأ له هذا لحذف المفعول في المنفي ، فيحتمل أن يكون المراد ومن لم يستطع الباءة أو من لم يستطع التزويج ، وقد وقع كل منهما صريحا ، فعند الترمذي في رواية عبد الرحمن بن يزيد من طريق الثوري عن الأعمش " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503253ومن لم يستطع منكم الباءة " وعند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من هذا الوجه من طريق أبي عوانة عن الأعمش " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503254من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج " ويؤيده ما وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397للنسائي من طريق أبي معشر عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503255من كان ذا طول فلينكح " ومثله nindex.php?page=showalam&ids=13478لابن ماجه من حديث عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=13863وللبزار من حديث أنس .
وأما تعليل المازري فيعكر عليه قوله في الرواية الأخرى التي في الباب الذي يليه بلفظ " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا " فإنه يدل على أن المراد بالباءة الجماع ، ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج ، والجواب عما استشكله المازري أنه يجوز أن يرشد من لا يستطيع الجماع من الشباب لفرط حياء أو عدم شهوة أو عنة مثلا إلى ما يهيئ له استمرار تلك الحالة ، لأن الشباب مظنة ثوران الشهوة الداعية إلى الجماع فلا يلزم من كسرها في حالة أن يستمر كسرها ، فلهذا أرشد إلى ما يستمر به الكسر المذكور ، فيكون قسم الشباب إلى قسمين : قسم يتوقون إليه ولهم اقتدار عليه فندبهم إلى التزويج دفعا للمحذور ، بخلاف الآخرين فندبهم إلى أمر تستمر به حالتهم ، لأن ذلك أرفق بهم للعلة التي ذكرت في رواية عبد الرحمن بن يزيد وهي أنهم كانوا لا يجدون شيئا ، ويستفاد منه أن الذي لا يجد أهبة النكاح وهو تائق إليه يندب له التزويج دفعا للمحذور .
قوله ( فليتزوج ) زاد في كتاب الصيام من طريق أبي حمزة عن الأعمش هنا nindex.php?page=hadith&LINKID=3503256فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وكذا ثبتت هذه الزيادة عند جميع من أخرج الحديث المذكور من طريق الأعمش بهذا الإسناد ، وكذا ثبت بإسناده الآخر في الباب الذي يليه ، ويغلب على ظني أن حذفها من قبل nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث شيخ شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وإنما آثر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري روايته على رواية غيره لوقوع التصريح فيها من الأعمش بالتحديث ، فاغتفر له اختصار المتن لهذه المصلحة . وقوله " أغض " أي أشد غضا " وأحصن " أي أشد إحصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة . وما ألطف ما وقع لمسلم حيث ذكر عقب حديث ابن مسعود هذا بيسير حديث جابر رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=3503257إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها ; فإن ذلك يرد ما في نفسه فإن فيه إشارة إلى المراد من حديث الباب . وقال ابن دقيق العيد : يحتمل أن تكون أفعل على بابها ، فإن التقوى سبب لغض البصر وتحصين الفرج ، وفي معارضتها الشهوية الداعية ، وبعد حصول التزويج يضعف هذا العارض فيكون أغض وأحصن مما لم يكن ، لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه من وجود الداعي . ويحتمل أن يكون أفعل فيه لغير المبالغة بل إخبار عن الواقع فقط .
قوله ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم ) في رواية مغيرة عن إبراهيم عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني " ومن لم يقدر على ذلك فعليه بالصوم " قال المازري : فيه إغراء بالغائب ، ومن أصول النحويين أن لا يغرى الغائب ، وقد جاء شاذا قول بعضهم عليه رجلا ليسني على جهة الإغراء . وتعقبه عياض بأن هذا الكلام موجود لابن قتيبة والزجاجي ، ولكن فيه غلط من أوجه : أما أولا فمن التعبير بقوله لا إغراء بالغائب ، والصواب فيه إغراء الغائب ، فأما الإغراء [ ص: 12 ] بالغائب فجائز ، ونص nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه لا يجوز دونه زيدا ولا يجوز عليه زيدا عند إرادة غير المخاطب ، وإنما جاز للحاضر لما فيه من دلالة الحال ، بخلاف الغائب فلا يجوز لعدم حضوره ومعرفته بالحالة الدالة على المراد ، وأما ثانيا فإن المثال ما فيه حقيقة الإغراء وإن كانت صورته ، فلم يرد القائل تبليغ الغائب وإنما أراد الإخبار عن نفسه بأنه قليل المبالاة بالغائب ، ومثله قولهم : إليك عني ، أي اجعل شغلك بنفسك ، ولم يرد أن يغريه به وإنما مراده دعني وكن كمن شغل عني .
وأما ثالثا فليس في الحديث إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولا بقوله " من استطاع منكم " فالخصاء في قوله " فعليه " ليست لغائب وإنما هـي للحاضر المبهم ، إذ لا يصح خطابه بالكاف ، ونظير هذا قوله nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص في القتلى - إلى أن قال - nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178فمن عفي له من أخيه شيء ومثله لو قلت لاثنين من قام منكما فله درهم فالهاء للمبهم من المخاطبين لا لغائب اهـ ملخصا . وقد استحسنه القرطبي . وهو حسن بالغ ، وقد تفطن له الطيبي فقال : قال أبو عبيد قوله فعليه بالصوم إغراء غائب ، ولا تكاد العرب تغري إلا الشاهد تقول : عليك زيدا ولا تقول : عليه زيدا إلا في هذا الحديث ، قال : وجوابه أنه لما كان الضمير الغائب راجعا إلى لفظة " من " وهي عبارة عن المخاطبين في قوله " يا معشر الشباب " وبيان لقوله " منكم " جاز قوله " عليه " لأنه بمنزلة الخطاب . وقد أجاب بعضهم بأن إيراد هذا اللفظ في مثال إغراء الغائب هو باعتبار اللفظ ، وجواب عياض باعتبار المعنى ، وأكثر كلام العرب اعتبار اللفظ . كذا قال ، والحق مع عياض ، فإن الألفاظ توابع للمعاني ، ولا معنى لاعتبار اللفظ مجردا هـنا .
قوله ( بالصوم ) عدل عن قوله فعليه بالجوع وقلة ما يثير الشهوة ويستدعي طغيان الماء من الطعام والشراب إلى ذكر الصوم إذ ما جاء لتحصيل عبادة هي برأسها مطلوبة . وفيه إشارة إلى أن المطلوب من الصوم في الأصل كسر الشهوة .
قوله ( فإنه ) أي الصوم .
قوله ( له وجاء ) بكسر الواو والمد ، أصله الغمز ، ومنه وجأه في عنقه إذا غمزه دافعا له ، ووجأه بالسيف إذا طعنه به ، ووجأ أنثييه غمزهما حتى رضهما . ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان المذكورة " فإنه له وجاء وهو الإخصاء " وهي زيادة مدرجة في الخبر لم تقع إلا في طريق nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة هذه ، وتفسير الوجاء بالإخصاء فيه نظر . فإن الوجاء رض الأنثيين والإخصاء سلهما ، وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة . وقال أبو عبيد قال بعضهم : وجا بفتح الواو مقصور ، والأول أكثر . وقال أبو زيد لا يقال : وجاء إلا فيما لم يبرأ وكان قريب العهد بذلك . واستدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لأنه أرشده إلى ما ينافيه ويضعف دواعيه . وأطلق بعضهم أنه يكره في حقه .
وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام : الأول التائق إليه القادر على مؤنه الخائف على نفسه ، فهذا يندب له النكاح عند الجميع ، وزاد الحنابلة في رواية أنه يجب وبذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=12119أبو عوانة الإسفراييني من الشافعية وصرح به في صحيحه ، ونقله المصيصي في " شرح مختصر الجويني " وجها ، وهو قول داود وأتباعه .
ورد عليهم عياض ومن تبعه بوجهين : أحدهما أن الآية التي احتجوا بها خيرت بين النكاح والتسري - يعني قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فواحدة أو ما ملكت أيمانكم قالوا والتسري ليس واجبا اتفاقا فيكون التزويج غير واجب إذ لا يقع التخيير بين واجب ومندوب ، وهذا الرد متعقب ، فإن الذين قالوا بوجوبه قيدوه بما إذا لم يندفع التوقان بالتسري ، فإذا لم يندفع تعين التزويج ، وقد صرح بذلك nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فقال : وفرض على nindex.php?page=treesubj&link=10793_24131كل قادر على الوطء إن وجد ما يتزوج به أو يتسرى أن يفعل أحدهما ، فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم ، وهو قول جماعة من [ ص: 13 ] السلف . الوجه الثاني أن الواجب عندهم العقد لا الوطء ، والعقد بمجرده لا يدفع مشقة التوقان قال : فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث ، وما تناوله الحديث لم يذهبوا إليه ، كذا قال ، وقد صرح أكثر المخالفين بوجوب الوطء فاندفع الإيراد . وقال ابن بطال : احتج من لم يوجبه بقوله صلى الله عليه وسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503258ومن لم يستطع فعليه بالصوم " قال : فلما كان الصوم الذي هو بدله ليس بواجب فمبدله مثله . وتعقب بأن الأمر بالصوم مرتب على عدم الاستطاعة ولا استحالة أن يقول القائل أوجبت عليك كذا فإن لم تستطع فأندبك إلى كذا . والمشهور عن أحمد أنه لا يجب للقادر التائق إلا إذا خشي العنت ، وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هبيرة . وقال المازري : الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب ، وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به . وقال القرطبي : المستطيع nindex.php?page=treesubj&link=10793الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة بحيث لا يرتفع عنه ذلك إلا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه . ونبه ابن الرفعة على صورة يجب فيها ، وهي ما إذا نذره حيث كان مستحبا .
وقال ابن دقيق العيد : قسم بعض الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة ، وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت وقدر على النكاح وتعذر التسري - وكذا حكاه القرطبي عن بعض علمائهم وهو المازري قال : فالوجوب في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به كما تقدم . قال nindex.php?page=treesubj&link=10795والتحريم في حق من يخل بالزوجة في الوطء والإنفاق مع عدم قدرته عليه وتوقانه إليه . والكراهة في حق مثل هذا حيث لا إضرار بالزوجة ، فإن انقطع بذلك عن شيء من أفعال الطاعة من عبادة أو اشتغال بالعلم اشتدت الكراهة ، وقيل nindex.php?page=treesubj&link=10794الكراهة فيما إذا كان ذلك في حال العزوبة أجمع منه في حال التزويج . والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصودا من كسر شهوة وإعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك . والإباحة فيما انتفت الدواعي والموانع . ومنهم من استمر بدعوى الاستحباب فيمن هذه صفته للظواهر الواردة في الترغيب فيه ، قال عياض : هو nindex.php?page=treesubj&link=10792مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة ، لقوله صلى الله عليه وسلم " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503259فإني مكاثر بكم " ولظواهر الحض على النكاح والأمر به ، وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء ، فأما من لا ينسل ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت . وقد يقال : إنه مندوب أيضا لعموم قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503260لا رهبانية في الإسلام " .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في الإحياء : من اجتمعت له فوائد النكاح وانتفت عنه آفاته فالمستحب في حقه التزويج ، ومن لا فالترك له أفضل ، ومن تعارض الأمر في حقه فليجتهد ويعمل بالراجح . قلت : الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة ، فأما حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503261فإني مكاثر بكم " فصح من حديث أنس بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3503262تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم يوم القيامة أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بلاغا عن ابن عمر بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3503263تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم nindex.php?page=showalam&ids=13933وللبيهقي من حديث أبي أمامة nindex.php?page=hadith&LINKID=845448تزوجوا ، فإني مكاثر بكم الأمم ، ولا تكونوا كرهبانية النصارى وورد " فإني مكاثر بكم " أيضا من حديث الصنابحي وابن الأعسر nindex.php?page=showalam&ids=249ومعقل بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=3753وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=360وعياض بن غنم ومعاوية بن حيدة وغيرهم ، وأما حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503264لا رهبانية في الإسلام " فلم أره بهذا اللفظ ، لكن في حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503265إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة " وعن ابن عباس رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=3503266لا صرورة في الإسلام أخرجه أحمد وأبو داود وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم ، وفي الباب حديث النهي عن التبتل وسيأتي في باب مفرد ، وحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=3503267من كان موسرا فلم ينكح فليس منا أخرجه الدارمي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من حديث ابن أبي نجيح وجزم بأنه مرسل ، وقد أورده البغوي في " معجم الصحابة " وحديث طاوس " قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لأبي الزوائد : إنما يمنعك من التزويج عجز أو فجور ، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره ، وقد تقدم في الباب الأول [ ص: 14 ] الإشارة إلى حديث عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=3503268النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من حديث أنس رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=3503269من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الثاني وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في التزويج أصلا ، لكن في حق من يتأتى منه النسل كما تقدم ، والله أعلم .
وفي الحديث أيضا nindex.php?page=treesubj&link=10800_10794إرشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم ، لأن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوته وتضعف بضعفه ، واستدل به nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي على جواز nindex.php?page=treesubj&link=24545المعالجة لقطع شهوة النكاح بالأدوية ، وحكاه البغوي في " شرح السنة " ، وينبغي أن يحمل على دواء يسكن الشهوة دون ما يقطعها أصالة لأنه قد يقدر بعد فيندم لفوات ذلك في حقه ، وقد صرح الشافعية بأنه لا يكسرها بالكافور ونحوه ، والحجة فيه أنهم اتفقوا على nindex.php?page=treesubj&link=11296_24545_11297منع الجب والخصاء فيلحق بذلك ما في معناه من التداوي بالقطع أصلا ، واستدل به nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي أيضا على أن nindex.php?page=treesubj&link=10799المقصود من النكاح الوطء ولهذا شرع nindex.php?page=treesubj&link=23883الخيار في العنة . وفيه الحث على nindex.php?page=treesubj&link=27141غض البصر nindex.php?page=treesubj&link=10789وتحصين الفرج بكل ممكن nindex.php?page=treesubj&link=28077وعدم التكليف بغير المستطاع ، ويؤخذ منه أن nindex.php?page=treesubj&link=20486حظوظ النفوس والشهوات لا تتقدم على أحكام الشرع بل هي دائرة معها .
واستنبط القرافي من قوله " فإنه له وجاء " أن التشريك في العبادة لا يقدح فيها بخلاف الرياء ، لأنه أمر بالصوم الذي هو قربة وهو بهذا القصد صحيح مثاب عليه ، ومع ذلك فأرشد إليه لتحصيل غض البصر وكف الفرج عن الوقوع في المحرم اهـ . فإن أراد تشريك عبادة بعبادة أخرى فهو كذلك وليس محل النزاع . وإن أراد تشريك العبادة بأمر مباح فليس في الحديث ما يساعده . واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة ، فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد إليه أسهل . وتعقب دعوى كونه أسهل لأن الترك أسهل من الفعل . وقد nindex.php?page=treesubj&link=19422_19460أباح الاستمناء طائفة من العلماء ، وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لأجل تسكين الشهوة ، وفي قول عثمان nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود " ألا نزوجك شابة " nindex.php?page=treesubj&link=10811استحباب نكاح الشابة ولا سيما إن كانت بكرا ، وسيأتي بسط القول فيه بعد أبواب .