الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4837 حدثنا أحمد ابن أبي عمرو قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم عن يونس عن الحسن فلا تعضلوهن قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية فلا تعضلوهن فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال فزوجها إياه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع حديث معقل بن يسار .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حدثنا أحمد بن أبي عمرو ) وهو النيسابوري قاضيها يكنى أبا علي ، واسم أبي عمرو حفص بن عبد الله بن راشد .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حدثني إبراهيم ) هو ابن طهمان : ويونس هو ابن عبيد ، والحسن هو البصري .

                                                                                                                                                                                                        قوله فلا تعضلوهن أي في تفسير هذه الآية . ووقع في تفسير الطبري من حديث ابن عباس أنها نزلت في ولي النكاح أن يضار وليته فيمنعها من النكاح .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه ) هذا صريح في رفع هذا الحديث ووصله ، وقد تقدم في تفسير البقرة معلقا لإبراهيم بن طهمان ، وموصولا أيضا لعباد بن راشد عن الحسن ، وبصورة الإرسال من طريق عبد الوارث بن سعيد عن يونس ، وقويت رواية إبراهيم بن طهمان بوصله بمتابعة عباد بن راشد على تصريح الحسن بقوله " حدثني معقل بن يسار " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( زوجت أختا لي ) اسمها جميل بالجيم مصغر بنت يسار ، وقع في تفسير الطبري من طريق ابن جريج [ ص: 93 ] وبه جزم ابن ماكولا ، وسماها ابن فتحون كذلك لكن بغير تصغير وسيأتي مستنده ، وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في " مبهمات القرآن " وتبعه البدري ، وقيل فاطمة وقع ذلك عند ابن إسحاق ، ويحتمل التعدد بأن يكون لها اسمان ولقب أو لقبان واسم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( من رجل ) قيل هو أبو البداح بن عاصم الأنصاري ، هكذا وقع في " أحكام القرآن لإسماعيل القاضي " من طريق ابن جريج " أخبرني عبد الله بن معقل أن جميل بنت يسار أخت معقل كانت تحت أبي البداح بن عاصم فطلقها فانقضت عدتها . فخطبها " وذكر ذلك أبو موسى في " ذيل الصحابة " وذكره أيضا الثعلبي ولفظه " نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل وكانت تحت أبي البداح بن عاصم بن عدي بن العجلان " واستشكله الذهلي بأن البداح تابعي على الصواب ، فيحتمل أن يكون صحابيا آخر . وجزم بعض المتأخرين بأنه البداح بن عاصم وكنيته أبو عمرو فإن كان محفوظا فهو أخو البداح التابعي . ووقع لنا في " كتاب المجاز " للشيخ عز الدين بن عبد السلام أن اسم زوجها عبد الله بن رواحة ، ووقع في رواية عباد بن راشد عن الحسن عن البزار والدارقطني " فأتاني ابن عم لي فخطبها مع الخطاب " وفي هذا نظر لأن معقل بن يسار مزني وأبو البداح أنصاري فيحتمل أنه ابن عمه لأمه أو من الرضاعة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حتى إذا انقضت عدتها ) في رواية عباد بن راشد " فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فجاء يخطبها ) أي من وليها وهو أخوها كما قال أولا " زوجت أختا لي من رجل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وأفرشتك ) أي جعلتها لك فراشا ، في رواية الثعلبي " وأفرشتك كريمتي وآثرتك بها على قومي " . وهذا مما يبعد أنه ابن عمه .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( لا والله لا تعود إليك أبدا ) في رواية عباد بن راشد " لا أزوجك أبدا " زاد الثعلبي وحمزة " آنفا " وهو بفتح الهمزة والنون والفاء .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وكان رجلا لا بأس به ) في رواية الثعلبي " وكان رجل صدق " قال ابن التين : أي كان جيدا . وهذا مما غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه كذا قال . ووقع في رواية مبارك بن فضالة عن الحسن عند أبي مسلم الكجي " قال الحسن علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى زوجها ، فأنزل الله هذه الآية " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فأنزل الله هذه الآية : فلا تعضلوهن ) هذا صريح في نزول هذه الآية في هذه القصة ، ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء ، لكن قوله في بقيتها أن ينكحن أزواجهن ظاهر في أن العضل يتعلق بالأولياء ، وقد تقدم في التفسير بيان العضل الذي يتعلق بالأولياء في قوله تعالى لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن فيستدل في كل مكان بما يليق به .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فقلت الآن أفعل يا رسول الله . قال فزوجها إياه ) أي أعادها إليه بعقد جديد . وفي رواية أبي نعيم في المستخرج " فقلت الآن أقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي رواية أبي مسلم الكجي من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن " فسمع ذلك معقل بن يسار فقال : سمعا لربي وطاعة ، فدعا زوجها فزوجها إياه " [ ص: 94 ] ومن رواية الثعلبي " فإني أومن بالله " فأنكحها إياه وكفر عن يمينه " وفي رواية عباد بن راشد " فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه " قال الثعلبي : ثم هذا قول أكثر المفسرين . وعن السدي : نزلت في جابر بن عبد الله زوج بنت عمه فطلقها زوجها تطليقة وانقضت عدتها ثم أراد تزويجها ، وكانت المرأة تريده فأبى جابر ، فنزلت ، قال ابن بطال : اختلفوا في الولي فقال الجمهور ومنهم مالك والثوري والليث والشافعي وغيرهم : الأولياء في النكاح هم العصبة ، وليس للخال ولا والد الأم ولا الإخوة من الأم ونحو هؤلاء ولاية . وعن الحنفية هم من الأولياء ، واحتج الأبهري بأن الذي يرث الولاء هم العصبة دون ذوي الأرحام قال : فذلك عقدة النكاح . واختلفوا فيما إذا مات الأب فأوصى رجلا على أولاده هل يكون أولى من الولي القريب في عقدة النكاح أو مثله أو لا ولاية له ؟ فقال ربيعة وأبو حنيفة ومالك : الوصي أولى ، واحتج لهم بأن الأب لو جعل ذلك لرجل بعينه في حياته لم يكن لأحد من الأولياء أن يعترض عليه ، فكذلك بعد موته . وتعقب بأن الولاية انتقلت بالموت فلا يقاس بحال الحياة وقد اختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح فذهب الجمهور إلى ذلك وقالوا : لا تزوج المرأة نفسها أصلا ، واحتجوا بالأحاديث المذكورة ، ومن أقواها هـذا السبب المذكور في نزول الآية المذكورة ، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ، ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها ، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه .

                                                                                                                                                                                                        وذكر ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك ، وعن مالك رواية أنها إن كانت غير شريفة زوجت نفسها . وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلا ، ويجوز أن تزوج نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤا ، واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به ، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخص بهذا القيام عمومها ، وهو عمل سائغ في الأصول ، وهو جواز تخصيص العموم بالقياس ، لكن حديث معقل المذكور رفع هذا القياس ، ويدل على اشتراط الولي في النكاح دون غيره ليندفع عن موليته العار باختيار الكفء ، وانفصل بعضهم عن هذا الإيراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ، ويتوقف ذلك إجازة الولي كما قالوا لما في البيع ، وهو مذهب الأوزاعي . وقال أبو ثور نحوه لكن قال : يشترط إذن الولي لها في تزويج نفسها . وتعقب بأن إذن الولي لا يصح إلا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها ، ولو أذن لها في إنكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح . وفي حديث معقل أن الولي إذا عضل لا يزوج السلطان إلا بعد أن يأمره بالرجوع عن العضل ، فإن أجاب فذاك ، وإن أصر زوج عليه الحاكم ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية