الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في السجدة في الحج

                                                                                                          578 حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما قال أبو عيسى هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي واختلف أهل العلم في هذا فروي عن عمر بن الخطاب وابن عمر أنهما قالا فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق ورأى بعضهم فيها سجدة وهو قول سفيان الثوري ومالك وأهل الكوفة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا ابن لهيعة ) هو عبد الله بن لهيعة ضعيف ( عن مشرح ) كمنبر ( بن هاعان ) بالهاء والعين بينهما ألف ثم ألف ونون كذا في نسخ الترمذي وكذا في التقريب والخلاصة ، وقال في القاموس : ومشرح كمنبر ابن عاهان التابعي ، انتهى .

                                                                                                          وكذلك في المغني لصاحب مجمع البحار فلعله يقال لوالد مشرح : عاهان بتقديم العين على الهاء أيضا : قال الحافظ في التقريب في ترجمته : مقبول ، وقال الذهبي في الميزان : مشرح بن عاهان المصري عن عقبة بن عامر صدوق لينه ابن حبان ، وقال عثمان بن سعيد : عن ابن معين ثقة ، قال ابن حبان : يكنى أبا مصعب يروي عن عقبة [ ص: 145 ] مناكير لا يتابع عليها فالصواب ترك ما انفرد به ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( فضلت سورة الحج ) بتقدير همزة الاستفهام ( بأن فيها سجدتين ) أولاهما عند قوله تعالى : الله يفعل ما يشاء وهي متفق عليها والثانية عند قوله تعالى : وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ( ومن لم يسجدهما ) أي : السجدتين ( فلا يقرأهما ) قال القاري في المرقاة : أي : آيتي السجدة حتى لا يأثم بترك السجدة ، وهو يؤيد وجوب سجدة التلاوة . ووجه النهي أن السجدة شرعت في حق التالي بتلاوته ، والإتيان بها من حق التلاوة ، فإذا كان بصدد التضييع فالأولى به تركها ؛ لأنها إما واجبة فيأثم بتركها أو سنة فيتضرر بالتهاون بها ، كذا ذكر الطيبي .

                                                                                                          قال ابن الهمام : والسجدة الثانية في الحج عندنا ؛ لأنها مقرونة بالأمر بالركوع ، والمعهود في مثله من القرآن كونه من أوامر ما هو ركن الصلاة بالاستقراء نحو اسجدي واركعي مع الراكعين انتهى ما في المرقاة .

                                                                                                          قلت : حديث الباب هذا ضعيف لكنه معتضد بحديث عمرو بن العاص ، وقد تقدم تخريجه ، وبرواية مرسلة وبآثار الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- كما ستعرف ، فهو مقدم على الاستقراء الذي ذكره ابن الهمام ، فالقول الراجح المعول عليه أن في سورة الحج سجدتين ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث ليس إسناده بالقوي ) وأخرجه أحمد وأبو داود قال ميرك : يريد أن في إسناده عبد الله بن لهيعة ومشرح بن هاعان ، وفيهما كلام ، لكن الحديث صحيح أخرجه الحاكم في مستدركه من غير طريقهما يعني من غير طريق أبي داود والترمذي ، وأقره الذهبي على تصحيحه قاله الشيخ الجزري . كذا في المرقاة . وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث الباب ما لفظه : وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ، وقد ذكر الحاكم أنه تفرد به وأكده الحاكم بأن الرواية صحت فيه من قول عمر وابنه وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى وعمار ثم ساقها موقوفة عنهم ، وأكده البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق خالد بن معدان مرسلا ، انتهى .

                                                                                                          قلت : وفي الباب عن عمرو بن العاص وقد تقدم تخريجه .

                                                                                                          [ ص: 146 ] قوله : ( واختلف أهل العلم في هذا : فروي عن عمر بن الخطاب وابن عمر أنهما قالا : فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين ) ، أخرج مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر : أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ، ثم قال : إن هذه السورة فضلت بسجدتين ، وأخرج عن عبد الله بن دينار أنه قال : رأيت عبد الله بن عمر سجد في سورة الحج سجدتين ، وروى الطحاوي عن أبي الدرداء وأبي موسى الأشعري أنهما سجدا في الحج سجدتين ، وروى الحاكم على ما ذكره الحافظ في التلخيص والزيلعي في نصب الراية عن هؤلاء الأربعة وابن عباس وابن مسعود وعمار بن ياسر : أنهم سجدوا فيه سجدتين ( وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ) قال بعض العلماء الحنفية في تعليقه على الموطأ للإمام محمد : والحق في هذا الباب هو ما ذهب إليه عمر -رضي الله عنه- وابن عمر -رضي الله عنه- انتهى .

                                                                                                          قلت : الأمر كما قال ( ورأى بعضهم فيها سجدة ) أي واحدة وهي السجدة الأولى ، قال الإمام محمد في الموطأ : وكان ابن عباس لا يرى في الحج إلا سجدة واحدة الأولى . انتهى . قال الطحاوي في شرح معاني الآثار بعد رواية أثر ابن عباس هذا : فبقول ابن عباس نأخذ ، انتهى .

                                                                                                          قلت : روى ابن أبي شيبة عن علي وأبي الدرداء وابن عباس أنهم سجدوا فيه سجدتين ، كذا في المحلى ، وقد تقدم أن الحاكم روى عن ابن عباس أنه سجد فيه سجدتين ( وهو قول سفيان الثوري ومالك وأهل الكوفة ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله .




                                                                                                          الخدمات العلمية