الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أن عرفة كلها موقف

                                                                                                          885 حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال هذه عرفة وهذا هو الموقف وعرفة كلها موقف ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينا وشمالا يلتفت إليهم ويقول يا أيها الناس عليكم السكينة ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا فلما أصبح أتى قزح فوقف عليه وقال هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر فقرع ناقته فخبت حتى جاوز الوادي فوقف وأردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج أفيجزئ أن أحج عنه قال حجي عن أبيك قال ولوى عنق الفضل فقال العباس يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك قال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما ثم أتاه رجل فقال يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج قال وجاء آخر فقال يا رسول الله إني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال ثم أتى البيت فطاف به ثم أتى زمزم فقال يا بني عبد المطلب لولا أن يغلبكم الناس عنه لنزعت قال وفي الباب عن جابر قال أبو عيسى حديث علي حديث حسن صحيح لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عياش وقد رواه غير واحد عن الثوري مثل هذا والعمل على هذا عند أهل العلم رأوا أن يجمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر وقال بعض أهل العلم إذا صلى الرجل في رحله ولم يشهد الصلاة مع الإمام إن شاء جمع هو بين الصلاتين مثل ما صنع الإمام قال وزيد بن علي هو ابن حسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( هذه عرفة ) هي اسم لبقعة معروفة ( وعرفة كلها موقف ) أي إلا بطن عرنة ( ثم أفاض ) أي دفع من عرفة ( وأردف أسامة بن زيد ) أي جعله رديفه ، وفيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة ، وقد تظاهرت به الأحاديث ( على هيئته ) بفتح الهاء وسكون التحتية وفتح الهمزة أي حال كونه -صلى الله عليه وسلم- على هيئته وسيره المعتاد ، ووقع في بعض النسخ على حمنته ، قال السيوطي في قوت المغتذي : بضم الحاء المهملة ثم ميم ساكنة ثم نون أي على عادته في السكون والرفق ، قاله أبو موسى المديني ، وفي رواية غير المصنف على هيئته بفتح الهاء والهمزة مكان النون أي على سيره المعتاد ، انتهى كلام السيوطي ، وفي بعض النسخ على هينته ، قال أبو الطيب في شرح الترمذي : بكسر الهاء ثم مثناة تحتية ساكنة ثم نون وهو حال أي حال كونه على عادته في السكون والرفق ، انتهى .

                                                                                                          ( والناس يضربون ) زاد أبو داود : الإبل ( يلتفت إليهم ) في رواية أبي داود : لا يلتفت إليهم بزيادة لا ، قال المحب الطبري : قال بعضهم : رواية الترمذي بإسقاط [ ص: 534 ] لا أصح . وقد تكررت هناك على بعض الرواة من قوله شمالا ، كذا في قوت المغتذي ، قال أبو الطيب : وعلى تقدير صحتها معناه : لا يلتفت إلى مشيهم ولا يشاركه فيه . وعلى تقدير الإسقاط حال كونه يلتفت إليهم ويقول لهم ألخ ، ( عليكم السكينة ) بالنصب على الإغراء قاله السيوطي .

                                                                                                          ( ثم أتى جمعا ) بفتح الجيم وسكون الميم هو علم للمزدلفة اجتمع فيه آدم وحواء لما أهبطا ، كذا في المجمع ( أتى قزح ) بفتح القاف وفتح الزاي وحاء مهملة اسم جبل بالمزدلفة وهو غير منصرف للعدل والعلمية ( إلى وادي محسر ) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد السين المهملة وكسرها ، قال النووي : سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيي وكل ، ومعه قوله تعالى : ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ( فقرع ناقته ) أي ضربها بمقرعة بكسر الميم وهو السوط ( فخبت ) من الخبب محركة وهو ضرب من العدو ( حتى جاوز الوادي ) قيل الحكمة في ذلك أنه فعله لسعة الموضع ، وقيل : لأن الأودية مأوى الشياطين ، وقيل : لأنه كان موقفا للنصارى فأحب الإسراع فيه مخالفة لهم ، وقيل : لأن رجلا اصطاد فيه صيدا فنزلت نار فأحرقته فكان إسراعه لمكان العذاب كما أسرع في ديار ثمود ، قاله السيوطي .

                                                                                                          ( ولوى عنق الفضل ) أي صرف عنقه من جانب الجارية إلى جنب آخر ( لولا أن يغلبكم عليه الناس لنزعت ) قال النووي : معناه لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج فيزدحمون عليه بحيث [ ص: 535 ] يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم لزيادة فضيلة هذا الاستقاء . وقال بعضهم : لولا يغلبكم أي قصدا للاتباع لنزعت أي أخرجت الماء وسقيته الناس كما تفعلون أنتم ، قاله حثا لهم على الثبات .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن جابر ) أخرجه مسلم والترمذي .

                                                                                                          قوله : ( حديث علي حديث حسن صحيح ) وأخرجه أبو داود مختصرا

                                                                                                          قوله : ( وقال بعض أهل العلم إذا صلى الرجل في رحله إلخ ) قال الإمام البخاري في صحيحه : وكان ابن عمر إذا فاتته الصلاة مع الإمام جمع بينهما ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : وصله إبراهيم الحربي في المناسك له قال : حدثنا الحوضي عن همام أن نافعا حدثه أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله . وأخرج الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع مثله . وأخرجه ابن المنذر من هذا الوجه ، وبهذا قال الجمهور . وخالفهم في ذلك النخعي والثوري وأبو حنيفة فقالوا يختص الجمع بمن صلى مع الإمام ، وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه والطحاوي ، ومن أقوى الأدلة لهم صنيع ابن عمر هذا . وقد روى حديث جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الصلاتين وكان مع ذلك يجمع وحده فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالإمام ، ومن قواعدهم : أن الصحابي إذا خالف ما روى دل على أن عنده بأن مخالفه أرجح تحسينا للظن به فينبغي أن يقال هذا هاهنا ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( وزيد بن علي هو ابن حسين بن علي بن أبي طالب ) المدني أحد أئمة أهل البيت ، ثقة من الرابعة وهو الذي ينسب إليه الزيدية خرج في خلافه هشام بن عبد الملك فقتل بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة ، كذا في التقريب والخلاصة .

                                                                                                          [ ص: 536 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية