الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          96 حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روى الحكم بن عتيبة وحماد عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ولا يصح قال علي بن المديني قال يحيى بن سعيد قال شعبة لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح وقال زائدة عن منصور كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين قال محمد بن إسمعيل أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي قال أبو عيسى وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق قالوا يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن قال أبو عيسى وقد روي عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين وهو قول مالك بن أنس قال أبو عيسى والتوقيت أصح وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسال أيضا من غير حديث عاصم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( نا أبو الأحوص ) اسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي الحافظ روى عن الأسود بن قيس وزياد بن علاقة وخلق ، وعنه ابن مهدي وهناد بن السري وخلق . قال ابن معين ثقة متقن ، وقال العجلي : صاحب سنة واتباع . مات 179 سنة تسع وسبعين ومائة ، قلت هو من رجال الكتب الستة .

                                                                                                          ( عن عاصم بن أبي النجود ) اسمه بهدلة في قول الجمهور ، وقال عمرو بن علي وبهدلة اسم أمه . قال أبو حاتم : محله الصدق وليس محله أن يقال هو ثقة ولم يكن بالحافظ ، قد تكلم فيه ابن علية . قال العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ ، وقاله البزار لا نعلم أحدا ترك حديثه مع أنه لم يكن بالحافظ كذا في مقدمة فتح الباري . وقال في التقريب : صدوق له أوهام حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون . انتهى .

                                                                                                          ( عن زر ) بكسر أوله وتشديد الراء ( بن حبيش ) بمهملة وموحدة [ ص: 268 ] ومعجمة مصغرا الأسدي الكوفي ثقة جليل مخضرم .

                                                                                                          قوله : ( إذا كنا سفرا ) بسكون الفاء جمع سافر كصحب جمع صاحب أي إذا كنا مسافرين ، وأما قول صاحب الطيب الشذي إن سفرا جمع مسافر فهو غلط ( ولكن من غائط وبول ونوم ) عطف على مقدر يدل عليه " إلا من جنابة " وقوله : من غائط . متعلق بمحذوف تقديره : وأمرنا أن ننزع خفافنا من جنابة ولا ننزع من غائط وبول ونوم وفي رواية النسائي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي قاله الحافظ في التلخيص . وقال فيه : قال الترمذي عن البخاري حديث حسن وصححه الترمذي والخطابي ومداره عندهم على عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه . وذكر ابن منده أبو القاسم أنه رواه عن عاصم أكثر من أربعين نفسا وتابع عاصما عليه عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة وذكر جماعة معه ومراده أصل الحديث لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة والمرء مع من أحب وغير ذلك . لكن حديث طلحة عند الطبراني بإسناد لا بأس به . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقد روى الحكم بن عتيبة ) بالمثناة ثم الموحدة مصغرا أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس ، من الخامسة .

                                                                                                          ( وحماد ) هو ابن أبي سليمان مسلم الأشعري أبو إسماعيل الكوفي الفقيه روى عن أنس وأبي وائل والنخعي ، وعنه ابنه إسماعيل ومغيرة وأبو حنيفة ومسعر وشعبة وتفقهوا به . قال النسائي ثقة مرجئ مات سنة 120 عشرين ومائة كذا في الخلاصة .

                                                                                                          ( ولا يصح ) بين الترمذي وجه عدم صحته بقوله : قال علي بن المديني .

                                                                                                          وهذا الحديث بهذا السند أخرجه أبو داود في سننه قال الحافظ في التلخيص : حديث خزيمة بن ثابت " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن ولو استزدناه لزاد " رواه أبو داود بزيادة وابن ماجه بلفظ : ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسا . ورواه ابن حبان باللفظين جميعا ورواه الترمذي وغيره بدون الزيادة . قال [ ص: 269 ] الترمذي : قال البخاري لا يصح عندي لأنه لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة وذكر عن يحيى بن معين أنه قال هو صحيح ، وقال ابن دقيق العيد الروايات متظافرة متكاثرة برواية التيمي له عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة وقال ابن أبي حاتم في العلل قال أبو زرعة : الصحيح من حديث التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة مرفوعا والصحيح عن النخعي عن الجدلي بلا واسطة وادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على ضعف هذا الحديث ، وتصحيح ابن حبان له يرد عليه مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضا كما تقدم والله أعلم . انتهى ما في التلخيص .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح المقيم يوما والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ) وإليه ذهب جمهور العلماء وهو الحق والصواب واستدلوا على هذا التوقيت بأحاديث الباب ، قال الحافظ في الدراية : وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة .

                                                                                                          فائدة : قال النووي مذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس ولا من حين المسح . انتهى . قلت : وهو قول أبي حنيفة ، ونقل عن الأوزاعي وأبي ثور وأحمد أنهم قالوا إن ابتداءها من وقت اللبس .

                                                                                                          ( وقد روي عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين وهو قول مالك بن أنس ) قال الشوكاني في النيل : قاله مالك [ ص: 270 ] والليث بن سعد لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له والمقيم والمسافر في ذلك سواء وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري . انتهى ، ويروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك ذكره العيني .

                                                                                                          والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة أنه قال يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال : نعم . قال يوما؟ قال : نعم . قال ويومين؟ قال : نعم . قال وثلاثة؟ قال : نعم وما شئت . أخرجه أبو داود وقال ليس بقوي ، قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث : أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك قال أبو داود ليس بالقوي وضعفه البخاري فقال لا يصح ، وقال أبو داود : اختلف في إسناده وليس بالقوي ، وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد رجاله لا يعرفون ، وقال أبو الفتح الأزدي : هو حديث ليس بالقائم ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه . قلت : وبالغ الجوزقاني فذكره في الموضوعات . انتهى . ولهم في عدم التوقيت أحاديث أخرى لكن ليس فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل فإن منها ما هو صحيح فليس بصريح في المقصود وما هو صريح فليس بصحيح .

                                                                                                          ( والتوقيت أصح ) يعني التوقيت هو الصحيح ، فإن أحاديثه كثيرة صحيحة وليس في عدم التوقيت حديث صحيح .




                                                                                                          الخدمات العلمية