الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في السلف في الطعام والثمر

                                                                                                          1311 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمر فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم قال وفي الباب عن ابن أبي أوفى وعبد الرحمن بن أبزى قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أجازوا السلف في الطعام والثياب وغير ذلك مما يعرف حده وصفته واختلفوا في السلم في الحيوان فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم السلم في الحيوان جائزا وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق وكره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم السلم في الحيوان وهو قول سفيان وأهل الكوفة أبو المنهال اسمه عبد الرحمن بن مطعم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          السلف بفتحتين : السلم وزنا ومعنى ، قال الجزري في النهاية : السلم هو أن تعطي ذهبا ، أو فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه . انتهى . قلت : فالثمن المعجل يسمى رأس المال ، والمبيع المؤجل المسلم فيه ، ومعطي الثمن رب السلم وصاحبه المبيع المسلم إليه ، والقياس يأبى عن جواز هذا العقد ؛ لأنه داخل تحت بيع ما ليس عنده إلا أنه جوز لورود الأحاديث الصحيحة بذلك ، وآية المداينة في سورة البقرة دالة على جوازه كما روي عنابن عباس رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                          قوله : ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ) أي : من مكة بعد الهجرة ( وهم يسلفون في الثمر ) الجملة حالية ، والإسلاف إعطاء الثمن في مبيع إلى مدة أي : يعطون الثمن في الحال ، ويأخذون السلعة في المال ، وفي رواية البخاري ومسلم وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث ، كذا في المشكاة ( من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) فيه دلالة على وجوب الكيل والوزن وتعيين الأجل في المكيل والموزون وأن جهالة أحدهما مفسدة للبيع ، قال النووي في شرح مسلم : فيه جواز السلم وأنه يشترط أن يكون قدره معلوما بكيل ، أو وزن ، أو غيرهما مما يضبط به ، فإن كان مذروعا كالثوب اشترط ذكر ذرعات معلومة ، وإن كان معدودا كالحيوان اشترط ذكر عدد معلوم ، ومعنى الحديث أنه إن أسلم في مكيل فليكن كيله معلوما ، وإن كان موزونا فليكن وزنه معلوما ، وإن كان مؤجلا فليكن أجله معلوما ، ولا يلزم من هذا اشتراط كون السلم مؤجلا ، بل يجوز حالا ؛ لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجواز الحال أولى ؛ لأنه أبعد من الغرر ، وليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل ، بل معناه : إن كان أجل فليكن معلوما ، وقد اختلف العلماء في جواز السلم الحال مع إجماعهم على جواز المؤجل فجوز الحال الشافعي وآخرون ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون ، وأجمعوا على اشتراط وصفه بما يضبطه به . انتهى كلام النووي . قوله ( قال ) أي [ ص: 449 ] أبو عيسى ( وفي الباب عن ابن أبي أوفى وعبد الرحمن بن أبزى ) قالا : كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب ، وفي رواية : والزيت إلى أجل مسمى قيل : أكان لهم زرع ؟ قالا : ما كنا نسألهم عن ذلك أخرجه البخاري . قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة قوله : ( فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم السلم في الحيوان جائزا ، وهو قول الشافعي ، وأحمد وإسحاق ) واحتجوا بما أخرجه أحمد ، وأبو داود والحاكم عند عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ من قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة قال الحافظ في الدراية : وفي إسناده اختلاف لكن أخرج البيهقي من وجه آخر قوي عن عبد الله بن عمرو نحوه . انتهى . ( وكره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم السلم في الحيوان ، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة ) واحتجوا بما أخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني في سننه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان ، قال الزيلعي في نصب الراية : قال الحاكم حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . انتهى ، قال صاحب التنقيح : وإسحاق بن إبراهيم بن جوفي : قال فيه ابن حبان : منكر الحديث جدا يأتي عن الثقات بالموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ، وقال الحاكم : روى أحاديث موضوعة . انتهى ، واحتجوا أيضا بما روى محمد بن الحسن في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لا تسلمن مالنا في شيء من الحيوان ، وهو موقوف ، وفيه قصة ، قال الحافظ الزيلعي : قال في التنقيح : فيه انقطاع . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية