الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الصورة

                                                                                                          1749 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت ونهى أن يصنع ذلك قال وفي الباب عن علي وأبي طلحة وعائشة وأبي هريرة وأبي أيوب قال أبو عيسى حديث جابر حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في الصورة ) المراد بيان حكمها من جهة مباشرة صنعتها ثم من جهة استعمالها واتخاذها .

                                                                                                          قوله : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت ) أي عن اتخاذها وإدخالها فيه ؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا تصاوير كما في حديث أبي طلحة عند الشيخين ، والمراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك . قال النووي في شرح مسلم : قاله أصحابنا وغيرهم من العلماء : تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر ؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث ، وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فصنعته حرام بكل حال ؛ لأن فيه مضاهاة بخلق الله تعالى ، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها ، وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير ، وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقا على حائط أو ثوبا ملبوسا أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام ، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام ، ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له ، هذا تلخيص مذهبنا في المسألة ، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم . وقال بعض السلف : إنما ينهى عما كان له ظل ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل ، وهذا مذهب باطل ، فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة . وقال الزهري : النهي في الصورة على العموم ، وكذلك استعمال ما هي فيه ودخوله البيت الذي هي فيه سواء كانت رقما في ثوب أو غير رقم ، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملا بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم ، وهذا مذهب قوي . وقال آخرون : يجوز منها ما كان رقما في ثوب سواء امتهن أم لا ، وسواء علق في حائط أم لا ، وكرهوا ما [ ص: 350 ] كان له ظل أو كان مصورا في الحيطان وشبهها سواء كان رقما أو غيره ، واحتجوا بقوله في بعض أحاديث الباب " إلا ما كان رقما في ثوب " ، وهذا مذهب القاسم بن محمد ، وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره . انتهى كلام النووي .

                                                                                                          قلت : قال ابن العربي : إن الصورة التي لا ظل لها إذا بقيت على هيئتها حرمت سواء كانت مما يمتهن أم لا ، وإن قطع رأسها أو فرقت هيئتها جاز انتهى . وهذا القول هو الأحوط عندي وهو المنقول عن الزهري وقواه النووي كما عرفت آنفا . وقال ابن عبد البر : إنه أعدل الأقوال .

                                                                                                          فائدة :

                                                                                                          روى البخاري عن عائشة قالت : كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي . قال الحافظ : استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن ، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور . وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن . قال وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ ، وإليه مال ابن بطال . وحكي عن ابن أبي زيد عن مالك أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور ، ومن ثم رجح الداودي أنه منسوخ . وقد ترجم ابن حبان لصغار النساء اللعب باللعب . وترجم له النسائي إباحة الرجل لزوجته اللعب بالبنات فلم يقيد بالصغر وفيه نظر . قال البيهقي بعد تخريجه : ثبت النهي عن اتخاذ الصور فيحمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كان قبل التحريم ، وبه جزم ابن الجوزي . وقال المنذري : إن كانت اللعب كالصورة فهو قبل التحريم وإلا فقد يسمى ما ليس بصورة لعبة ، وبهذا جزم الحليمي فقال : إن كانت صورة كالوثن لم يجز وإلا جاز انتهى .

                                                                                                          قلت : قول الحليمي هو المختار عندي والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي وأبي طلحة وعائشة وأبي هريرة وأبي أيوب ) . أما حديث علي فأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه عنه مرفوعا : لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا جنب ولا كلب . قال المنذري : كلهم من رواية عبد الله بن يحيى ، قال البخاري : فيه نظر وأما حديث أبي طلحة فأخرجه الترمذي في هذا الباب ، وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان ، وعنها [ ص: 351 ] في الباب أحاديث ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب : " إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ولا كلب " من أبواب الاستئذان والأدب ، وأما حديث أبي أيوب فلينظر من أخرجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية