الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا

                                                                                                          209 حدثنا هناد حدثنا أبو زبيد وهو عبثر بن القاسم عن أشعث عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا قال أبو عيسى حديث عثمان حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( نا أبو زبيد ) بالتصغير ، اسمه عبثر بن القاسم الزبيدي -بالضم- الكوفي ، ثقة ، من الثامنة ( عن أشعث ) هو ابن سوار الكندي النجار الكوفي مولى ثقيف يقال له أشعث النجار ، ويقال له أشعث التابوتي وأشعث الأفرق ، روى عن الحسن البصري والشعبي وغيرهما ، وروى عنه شعبة والثوري وعبثر بن القاسم وغيرهم ، قاله الحافظ في تهذيب التهذيب ، وقال في التقريب : ضعيف ، وقال الخزرجي : حديثه في مسلم متابعة .

                                                                                                          ( عن الحسن ) هو البصري ( عن عثمان بن أبي العاص ) صحابي شهير استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ومات في خلافة معاوية بالبصرة .

                                                                                                          قوله : ( إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي حين توديعه إلى الطائف للعمل ( أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ) فيه دلالة ظاهرة على أنه يكره أخذ الأجرة ، وقد عقد ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك ، وأخرج عن أبي محذورة أنه قال : فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فأذنت ، ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرة فيها شيء من فضة ، وأخرجه أيضا النسائي ، قال اليعمري : ولا دليل فيه لوجهين : الأول أن قصة أبي محذورة أول ما أسلم ؛ لأنه أعطاه حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص الراوي لحديث النهي ، فحديث عثمان متأخر ، الثاني أنها واقعة عين يتطرق إليها الاحتمال وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال ، قال الشوكاني بعد نقل كلام ابن سيد الناس هذا : وأنت خبير بأن هذا الحديث لا يرد على من قال : إن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة لا إذا أعطيها بغير مسألة ، والجمع بين الحديثين بمثل هذا حسن . قلت : ما قال الشوكاني في وجه الجمع بين الحديثين لا شك في حسنه .

                                                                                                          [ ص: 528 ] قوله : ( حديث عثمان حديث حسن ) قال في المنتقى بعد ذكره : رواه الخمسة ، وقال في النيل : صححه الحاكم ، وقال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا وأخرج ابن حبان عن يحيى البكالي قال : سمعت رجلا قال لابن عمر إني لأحبك في الله ، فقال له ابن عمر : إني لأبغضك في الله ، فقال : سبحان الله أحبك في الله وتبغضني في الله؟! قال : نعم ، إنك تسأل عن أذانك أجرا . وروي عن ابن مسعود أنه قال : " أربع لا يؤخذ عليهن أجر : الأذان ، وقراءة القرآن ، والمقاسم ، والقضاء " ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ على الأذان أجرا ، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه ) قال الخطابي : أخذ المؤذن على أذانه مكروه بحسب مذاهب أكثر العلماء ، قال الحسن : أخشى أن لا تكون صلاته خالصة ، وكرهه الشافعي وقال : يرزق من خمس الخمس من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه مرصد لمصالح المسلمين ، وقال في النيل : قد ذهب إلى تحريم الأجر شرطا على الأذان والإقامة الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وغيرهم ، وقال مالك : لا بأس بأخذ الأجر على ذلك . وقال الأوزاعي : يجاعل عليه ولا يؤاجر . وقال الشافعي في الأم : أحب أن يكون المؤذنون متطوعين ، قال : وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله ، قال : ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا يؤذن متطوعا ، فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس الفضل .

                                                                                                          وقال ابن العربي : الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجرة كما يأخذ المستغيب والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة . انتهى ، فقاس المؤذن على العامل وهو قياس في مصادمة النص ، وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من الصحابة كما صرح بذلك اليعمري ، كذا في النيل . قلت : القول الراجح عندي هو قول الجمهور ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية