الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في لزوم الجماعة

                                                                                                          2165 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا النضر بن إسمعيل أبو المغيرة عن محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال خطبنا عمر بالجابية فقال يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله ( أخبرنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة ) قال في التقريب : النضر بالمعجمة ابن إسماعيل بن حازم البجلي أبو المغيرة الكوفي القاص ليس بالقوي من صغار الثامنة ، ( عن محمد بن سوقة ) بضم المهملة الغنوي ، أبي بكر الكوفي العابد ، ثقة مرضي عابد من الخامسة .

                                                                                                          قوله : ( خطبنا عمر بالجابية ) خطبة عمر هذه مشهورة ، خطبها بالجابية وهي قرية بدمشق ( فقال ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ) أي التابعين ( ثم الذين يلونهم ) أي أتباع التابعين ، وقوله بأصحابي وليس مراده به ولاة الأ مور ( ثم يفشو الكذب ) أي يظهر وينتشر بين الناس بغير نكير ( حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ) أي لا يطلب منه الحلف لجرأته على الله ( ويشهد الشاهد ولا يستشهد ) قال الترمذي في أواخر الشهادات : المراد به شهادة الزور ( ألا ) بالتخفيف حرف تنبيه ( لا يخلون رجل بامرأة ) أي أجنبية ( إلا كان ثالثهما الشيطان ) برفع الأول ونصب الثاني ، ويجوز العكس ، والاستثناء مفرغ ، والمعنى يكون الشيطان معهما يهيج شهوة كل منهما حتى يلقيهما في الزنا .

                                                                                                          ( عليكم بالجماعة ) أي المنتظمة بنصب الإمامة ( وإياكم والفرقة ) أي احذروا مفارقتها ما أمكن ، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعا : من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية الحديث ، روى الشيخان عن حذيفة في أثناء حديث : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق [ ص: 321 ] كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ، قال الحافظ قوله : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم أي أميرهم ، زاد في رواية أبي الأسود : تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني : فإن رأيت خليفة فالزمه وإن ضرب ظهرك فإن لم يكن خليفة فالهرب ، وقال الطبري : اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة ، فقال قوم هو للوجوب ، والجماعة السواد الأعظم ، ثم ساق محمد بن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما قتل عثمان : عليك بالجماعة ، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة ، وقال قوم : المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم ، وقال قوم : المراد بهم أهل العلم لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين ، قال الطبري : والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره ، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة ، قال : وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر ، وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث ، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها انتهى .

                                                                                                          ( فإن الشيطان مع الواحد ) أي الخارج عن طاعة الأمير المفارق للجماعة ( وهو ) أي الشيطان ( من الاثنين أبعد ) أي بعيد ، قال الطيبي : أفعل هنا لمجرد الزيادة ولو كان مع الثلاثة لكان بمعنى التفضيل ، إذ البعد مشترك بين الثلاثة والاثنين دون الاثنين والفذ ، على ما لا يخفى ( من أراد بحبوحة الجنة ) بضم الموحدتين أي من أراد أن يسكن وسطها وخيارها ( من سرته حسنته ) أي إذا وقعت منه ( وساءته سيئته ) أي أحزنته إذا صدرت عنه ( فذلكم المؤمن ) أي الكامل لأن المنافق حيث لا يؤمن بيوم القيامة استوت عنده الحسنة والسيئة ، وقد قال تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب ) وأخرجه أحمد والحاكم ، وذكر صاحب المشكاة هذا الحديث في مناقب الصحابة ولم يعزه إلى أحد من أئمة الحديث بل ترك بياضا .

                                                                                                          قال القاري : هنا بياض في أصل المصنف وألحق به النسائي وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن الحسن الخثعمي فإنه لم يخرج له الشيخان وهو ثقة ثبت ذكره الجزري ، فالحديث بكماله إما صحيح أو حسن انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية